كَانَ كَذَلِكَ. فَأَمَّا سِنُّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُثْغَرْ، فَلَا يَجِبُ بِقَلْعِهَا فِي الْحَالِ شَيْءٌ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ عَوْدُ سِنِّهِ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا فِي الْحَالِ شَيْءٌ، كَنَتْفِ شَعْرِهِ، وَلَكِنْ يُنْتَظَرُ عَوْدُهَا؛ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَيْأَسُ مِنْ عَوْدِهَا، وَجَبَتْ دِيَتُهَا. قَالَ أَحْمَدُ، يَتَوَقَّفُ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ فِي نَبَاتِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا سَقَطَتْ أَخَوَاتُهَا وَلَمْ تَعُدْ هِيَ، أُخِذَتْ الدِّيَةُ. وَإِنْ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى، لَمْ تَجِبْ دِيَتُهَا، كَمَا لَوْ نُتِفَ شَعْرُهُ فَعَادَ مِثْلُهُ. لَكِنْ إنْ عَادَتْ قَصِيرَةً أَوْ مُشَوَّهَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. وَإِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ نَقْصِهَا عَنْ نَظِيرَتِهَا، فَفِيهَا مِنْ دِيَتِهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِيهَا ثُلْمَةٌ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهَا، فَفِيهَا بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا، كَمَا لَوْ كَسَرَ مِنْ سِنِّهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ. وَإِنْ نَبَتَتْ أَكْبَرَ مِنْ أَخَوَاتِهَا، فَفِيهَا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ.
وَقِيلَ فِيهَا وَجْهٌ آخَرُ، لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْنٌ حَصَلَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ، فَأَشْبَهَ نَقْصَهَا. وَإِنْ نَبَتَتْ مَائِلَةً عَنْ صَفِّ الْأَسْنَانِ، بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فَفِيهَا دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَهَابِهَا، وَإِنْ كَانَتْ يُنْتَفَعُ بِهَا، فَفِيهَا حُكُومَةٌ؛ لِلشَّيْنِ الْحَاصِلِ بِهَا، وَنَقْصِ نَفْعِهَا. وَإِنْ نَبَتَتْ صَفْرَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ مُتَغَيِّرَةً، فَفِيهَا حُكُومَةٌ؛ لِنَقْصِ جَمَالِهَا. وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ أَوْ خَضْرَاءَ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ، حَكَاهُمَا الْقَاضِي؛ إحْدَاهُمَا، فِيهَا دِيَتُهَا. وَالثَّانِيَةُ، فِيهَا حُكُومَةٌ، كَمَا لَوْ سَوَّدَهَا مِنْ غَيْرِ قَلْعِهَا. وَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ عَوْدِ سِنِّهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَعَادَتْ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ نُتِفَ شَعْرُهُ. وَالثَّانِي: فِيهَا الدِّيَةُ لِأَنَّهُ قَلَعَ سِنًّا وَأَيِسَ مِنْ عَوْدِهَا، فَوَجَبَتْ دِيَتُهَا، كَمَا لَوْ مَضَى زَمَنٌ تَعُودُ فِي مِثْلِهِ فَلَمْ تَعُدْ.
وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ مَنْ قَدْ ثُغِرَ، وَجَبَتْ دِيَتُهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ، فَإِنْ عَادَتْ، لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا رَدَّهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرُدُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ، فَمَتَى عَادَتْ كَانَتْ هِبَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مُجَدَّدَةً، فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا وَجَبَ لَهُ بِقَلْعِ سِنِّهِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَادَ لَهُ فِي مَكَانِهَا مِثْلُ الَّتِي قُلِعَتْ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ، كَاَلَّذِي لَمْ يُثْغَرْ. وَإِنْ عَادَتْ نَاقِصَةً، أَوْ مُشَوَّهَةً، فَحُكْمُهَا حُكْمُ سِنِّ الصَّغِيرِ إذَا عَادَتْ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ مَنْ لَمْ يُثْغَرْ، فَمَضَتْ مُدَّةٌ يَيْأَسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute