وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَنَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مُوَقَّتٌ فِي الْحُرِّ، فَهُوَ مُوَقَّتٌ فِي الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَكَذَا الْأَمَةُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ يَجِبُ ضَمَانُهَا بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِمَا فَاتَ بِالْجِنَايَةِ، وَلَا يَنْجَبِرُ إلَّا بِإِيجَابِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ، فَيَجِبُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْمَالِ، وَلَا يَجِبُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَدْ انْجَبَرَ، فَلَا يَجِبُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَوَّتَهُ الْجَانِي عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّرٌ شَرْعِيٌّ.
فَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ بِالْجِنَايَةِ مُوَقَّتًا فِي الْحُرِّ، كَيَدِهِ، وَمُوضِحَتِهِ، فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ فِيهِ أَيْضًا مَا نَقَصَهُ، بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ. وَرَوَى الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، فِيمَا عَدَا مُوضِحَتَهُ، وَمُنَقِّلَتَهُ، وَهَاشِمَتَهُ، وَجَائِفَتَهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ، فَيَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ كَالْبَهَائِمِ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْقِيمَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، ضُمِنَ بَعْضُهُ بِمَا نَقَصَ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ضَمَانُ الْفَائِتِ بِمَا نَقَصَ، خَالَفْنَاهُ فِيمَا وُقِّتَ فِي الْحُرِّ، كَمَا خَالَفْنَاهُ فِي ضَمَانِ بَقِيَّتِهِ بِالدِّيَةِ الْمُؤَقَّتَةِ، فَفِي الْعَبْدِ يَبْقَى فِيهِمَا عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا كَانَ مُوَقَّتًا فِي الْحُرِّ، فَهُوَ مُوَقَّتٌ فِي الْعَبْدِ؛ فَفِي يَدِهِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ شَفَتِهِ، نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي الْحُرِّ، كَالْأَنْفِ، وَاللِّسَانِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْأُذُنَيْنِ، أَوْجَبَ قِيمَةَ الْعَبْدِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ؛ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا أُصِيبَ بِهِ الْعَبْدُ فَهُوَ عَلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ قَوْلَ عَلِيٍّ لَمَا احْتَجَّ أَحْمَدُ فِيهِ إلَّا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيَّ قَالَا: مَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ مِنْ الْحُرِّ، يَتَخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ فِيهِ، بَيْنَ أَنْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهُ، وَيَصِيرَ مِلْكًا لِلْجَانِي وَبَيْنَ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ شَيْئًا، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فِي مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ عَمْدًا، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ، هُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ.
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ، فَكَانَ فِي أَطْرَافِهِ مُقَدَّرٌ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ أَطْرَافَهُ فِيهَا مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ، فَكَانَ فِيهَا مُقَدَّرٌ مِنْ الْعَبْدِ، كَالشِّجَاجِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَا وَجَبَ فِي شِجَاجِهِ مُقَدَّرٌ، وَجَبَ فِي أَطْرَافِهِ مُقَدَّرٌ كَالْحُرِّ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْلُ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute