للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ ضِغْنٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ قَتَلَهُ. نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، يُنْظَرُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي حَيَاتِهِ شَيْءٌ. يَعْنِي ضِغْنًا يُؤْخَذُونَ بِهِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي اللَّوْثِ غَيْرَ الْعَدَاوَةِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَرِيقَيْنِ يَقْتَتِلَانِ؛ فَيَنْكَشِفُونَ عَنْ قَتِيلٍ، فَاللَّوْثُ عَلَى الطَّائِفَةِ وَاللَّوْثُ عَلَى طَائِفَةِ الْقَتِيلِ الَّتِي الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلَى بِالْتِحَامٍ، أَوْ مُرَامَاةً بِالسِّهَامِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ السِّهَامُ فَاللَّوْثُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي بِهِ الْقَتِيلُ غَيْرُ الْعَدُوِّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنًّا الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أَنْ يُوجَدَ الْقَتِيلُ فِي مَوْضِعِ عَدُوٍّ لَا يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ قُتِلَ فِي خَيْبَرَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا الْيَهُودُ، وَجَمِيعُهُمْ أَعْدَاءٌ. وَلِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَطَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ ذَلِكَ الْغَيْرَ.

ثُمَّ نَاقَضَ الْقَاضِي قَوْلَهُ، فَقَالَ فِي قَوْمٍ ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ، فَافْتَرَقُوا عَنْ قَتِيلٍ: إنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتَلَهُ؛ لِكَوْنِهِ بِقُرْبِهِ، فَهُوَ لَوْثٌ. فَجَعَلَ الْعَدَاوَةَ لَوْثًا مَعَ وُجُودِ غَيْرِ الْعَدُوِّ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ: هَلْ كَانَ بِخَيْبَرَ غَيْرُ الْيَهُودِ أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمْلَاكًا لِلْمُسْلِمِينَ، يَقْصِدُونَهَا لِأَخْذِ غَلَّاتِ أَمْلَاكِهِمْ مِنْهَا، وَعِمَارَتِهَا، وَالِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، وَالِامْتِيَارِ مِنْهَا، وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مَدِينَةٌ عَلَى جَادَّةٍ تَخْلُو مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا. وَقَوْلُ الْأَنْصَارِ: لَيْسَ لَنَا بِخَيْبَرَ عَدُوٌّ إلَّا يَهُودُ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِعَدُوٍّ؛ وَلِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْعَدَاوَةِ، لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِ اللَّوْثِ فِي حَقِّ وَاحِدٍ، وَتَخْصِيصِهِ بِالدَّعْوَى مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي احْتِمَالِ قَتْلِهِ؛ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ ذَلِكَ وُجُودَ مَنْ يَبْعُدُ مِنْهُ الْقَتْلُ أَوْلَى.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ، لَا يَنْفِي اللَّوْثَ، فَإِنَّ اللَّوْثَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ يَقِينُ الْقَتْلِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِيهِ الِاحْتِمَالُ، وَلَوْ تُيُقِّنَ الْقَتْلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْأَيْمَانِ، وَلَوْ اُشْتُرِطَ نَفْيُ الِاحْتِمَالِ؛ لَمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ، وَلَا عَلَى الْجَمَاعَةِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْتَرِكَ الْجَمِيعُ فِي قَتْلِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ اللَّوْثَ مَا يُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي، وَذَلِكَ فِي دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا، مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، الْعَدَاوَةُ الْمَذْكُورَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>