أَحَدُهَا، قَوْمٌ امْتَنَعُوا مِنْ طَاعَتِهِ، وَخَرَجُوا عَنْ قَبْضَتِهِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، فَهَؤُلَاءِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، سَاعُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، يَأْتِي حُكْمُهُمْ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ. الثَّانِي: قَوْمٌ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، إلَّا أَنَّهُمْ نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا مَنَعَةَ لَهُمْ، كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ مُلْجَمٍ لَمَّا جَرَحَ عَلِيًّا، قَالَ لِلْحَسَنِ: إنْ بَرِئْتُ رَأَيْتُ رَأْيِي، وَإِنْ مِتُّ فَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ. فَلَمْ يُثْبِتْ لِفِعْلِهِ حُكْمَ الْبُغَاةِ. وَلِأَنَّنَا لَوْ أَثْبَتْنَا لِلْعَدَدِ الْيَسِيرِ حُكْمَ الْبُغَاةِ، فِي سُقُوطِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ، أَفْضَى إلَى إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ إذَا خَرَجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ. الثَّالِثُ: الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ، وَيُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَكَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُمْ بُغَاةٌ، حُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَمَالِكٌ يَرَى اسْتِتَابَتَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا عَلَى إفْسَادِهِمْ، لَا عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ، وَتُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَإِنْ تَحَيَّزُوا فِي مَكَان، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ، صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَإِنْ كَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، اسْتَتَابَهُمْ، كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا، ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فَيْئًا، لَا يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْمُسْلِمُونَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ» رَوَاهُ مَالِكٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute