اللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ سَوَاءٌ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، مِثْلُ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، وَتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ وَأُمِّ الْمَرْأَةِ، وَلَحَاقِ الْوَلَدِ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِحْصَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ. فَلَمْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَهَذِهِ ثَبَتَتْ فِي كُلِّ وَطْءٍ، وَلَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالنِّكَاحِ، إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ هَاهُنَا صَارَ شُبْهَةً، فَصَارَ الْوَطْءُ فِيهِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ سَوَاءً. الرَّابِعُ، الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ شَرْطٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِمْ، إلَّا أَبَا ثَوْرٍ: قَالَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ هُمَا مُحْصَنَانِ، يُرْجَمَانِ إذَا زَنَيَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ إجْمَاعٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي الْعَبْدِ تَحْتَهُ حُرَّةٌ: هُوَ مُحْصَنٌ، يُرْجَمُ إذَا زَنَى، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ، لَمْ يُرْجَمْ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ تُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] .
وَالرَّجْمُ لَا يَنْتَصِفُ، وَإِيجَابُهُ كُلُّهُ يُخَالِفُ النَّصَّ مَعَ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إذَا عَتَقَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ، فَهَذَا فِيهِ اخْتِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ وَافَقَ الْأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ، ثُمَّ عَتَقَا، لَمْ يَصِيرَا مُحْصَنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَزَادَ فَقَالَ فِي الْمَمْلُوكَيْنِ إذَا أُعْتِقَا، وَهُمَا مُتَزَوِّجَانِ، ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ: لَا يَصِيرَانِ مُحْصَنَيْنِ بِذَلِكَ الْوَطْءِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ شَاذٌّ، خَالَفَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ؛ فَإِنَّ الْوَطْءَ وُجِدَ مِنْهُمَا حَالَ كَمَالِهِمَا، فَحَصَّنَهُمَا، كَالصَّبِيَّيْنِ إذَا بَلَغَا. الشَّرْطُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ، الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، فَلَوْ وَطِئَ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ، لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ: يَصِيرُ مُحْصَنًا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا وَطِئَ فِي رِقِّهِ، ثُمَّ عَتَقَ، يَصِيرُ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْلَالُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا، فَحَصَلَ بِهِ الْإِحْصَانُ كَالْمَوْجُودِ حَالَ الْكَمَالِ.
وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ.» فَاعْتَبَرَ الثُّيُوبَةَ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَتْ تَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ، لَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَيُفَارِقُ الْإِحْصَانُ الْإِحْلَالَ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَأْبَاهُ الطِّبَاعُ وَيَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ، فَاعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ زَجْرًا عَنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْعَاقِلُ وَالْمَجْنُونُ، بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ مَنْ كَمَلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ، كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَفْحَشَ وَأَحَقَّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَالنِّعْمَةُ فِي الْعَاقِلِ الْبَالِغِ أَكْمَلُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الشَّرْطُ السَّابِعُ، أَنْ يُوجَدَ الْكَمَالُ فِيهِمَا جَمِيعًا حَالَ الْوَطْءِ، فَيَطَأُ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ امْرَأَةً عَاقِلَةً حُرَّةً. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَنَحْوُهُ، قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute