وَالنَّخَعِيِّ، فِيمَنْ جَمَعَ الْمَتَاعَ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ، عَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ، غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ، وَلَا مَقَالٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «، أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثِّمَارِ، فَقَالَ: مَا أُخِذَ فِي غَيْرِ أَكْمَامِهِ فَاحْتُمِلَ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَمَا كَانَ فِي الْخَزَائِنِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا الْخَبَرُ يَخُصُّ الْآيَةَ، كَمَا خَصَّصْنَاهَا فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ.
إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ، وَالْحِرْزُ مَا عُدَّ حِرْزًا فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى بَيَانِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، كَمَا رَجَعْنَا إلَيْهِ، فِي مَعْرِفَةِ الْقَبْضِ وَالْفُرْقَةِ فِي الْبَيْعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مِنْ حِرْزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ الصَّنَادِيقُ تَحْتَ الْأَغْلَاقِ وَالْأَقْفَالِ الْوَثِيقَةِ فِي الْعُمْرَانِ، وَحِرْزُ الثِّيَابِ، وَمَا خَفَّ مِنْ الْمَتَاعِ، كَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، فِي الدَّكَاكِينِ، وَالْبُيُوتِ الْمُقْفَلَةِ فِي الْعُمْرَانِ، أَوْ يَكُونُ فِيهَا حَافِظٌ، فَيَكُونُ حِرْزًا، وَإِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُغْلَقَةً وَلَا فِيهَا حَافِظٌ، فَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ. وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ، فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَمَا خَرَجَ عَنْهَا فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَلَقٌ، يُسْرَقُ مِنْهُ: أَرَاهُ سَارِقًا. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَهُ فِيهِ، فَأَمَّا الْبُيُوتُ الَّتِي فِي الْبَسَاتِينِ أَوْ الطُّرُقِ أَوْ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَلَيْسَتْ حِرْزًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُغْلَقَةً أَوْ مَفْتُوحَةً؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ مَتَاعَهُ فِي مَكَان خَالٍ مِنْ النَّاسِ وَالْعُمَرَانِ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ لَا يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ، وَإِنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُهَا أَوْ حَافِظٌ، فَهِيَ حِرْزٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُغْلَقَةً أَوْ مَفْتُوحَةً. وَإِذَا كَانَ لَابِسًا لِلثَّوْبِ، أَوْ مُتَوَسِّدًا لَهُ، نَائِمًا، أَوْ مُسْتَيْقِظًا، أَوْ مُفْتَرِشًا لَهُ، أَوْ مُتَّكِئًا عَلَيْهِ، فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ بَرِّيَّةٍ، فَهُوَ مُحْرَزٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ رِدَاءَ صَفْوَانَ سُرِقَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ لَهُ، فَقَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارِقَهُ.
وَإِنْ تَدَحْرَجَ عَنْ الثَّوْبِ، زَالَ الْحِرْزُ إنْ كَانَ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَتَاعِ، كَبَزِّ الْبَزَّازِينَ، وَقُمَاشِ الْبَاعَةِ، وَخُبْزِ الْخَبَّازِينَ، بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ، فَهُوَ مُحْرَزٌ، وَإِنْ نَامَ، أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَوْضِعِ مُشَاهَدَتِهِ، فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ. وَإِنْ جَعَلَ الْمَتَاعَ فِي الْغَرَائِرِ، وَعَلَّمَ عَلَيْهَا، وَمَعَهَا حَافِظٌ يُشَاهِدُهَا، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ، وَإِلَّا فَلَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute