الْأَوَّلِ فِي اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا أُطْلِقَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ، كَانَ قَتْلًا بِالسَّيْفِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقَتْلَ» . وَأَحْسَنُ الْقَتْلِ هُوَ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ، وَفِي صَلْبِهِ حَيًّا تَعْذِيبٌ لَهُ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى الْمُحَارَبَةِ. قُلْنَا: لَوْ شُرِعَ لِرَدْعِهِ، لَسَقَطَ بِقَتْلِهِ، كَمَا يَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ مَعَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الصَّلْبُ رَدْعًا لِغَيْرِهِ، لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِصَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ. وَقَوْلُهُمْ: يَمْنَعُ تَكْفِينَهُ وَدَفْنَهُ. قُلْنَا: هَذَا لَازِمٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ مَصْلُوبًا. الثَّانِي: فِي قَدْرِهِ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، إلَّا قَدْرَ مَا يَشْتَهِرُ أَمْرُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يُوَقِّتْ أَحْمَدُ فِي الصَّلْبِ، فَأَقُولُ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. وَالصَّحِيحُ تَوْقِيتُهُ بِمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ مِنْ الشُّهْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصْلَبُ ثَلَاثًا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَذَا تَوْقِيتٌ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ، فَلَا يَجُوزُ، مَعَ أَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ يُفْضِي إلَى تَغَيُّرِهِ، وَنَتِنِهِ، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ بِرَائِحَتِهِ وَنَظَرِهِ، وَيَمْنَعُ تَغْسِيلَهُ وَتَكْفِينَهُ وَدَفْنَهُ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. الثَّالِثُ: فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا وَاجِبٌ حَتْمٌ فِي حَقِّ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، لَا يَسْقُطُ بِعَفْوٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ شَاءَ الْإِمَامُ صَلَبَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصْلُبْ. وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِأَنَّ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ. وَلِأَنَّهُ شُرِعَ حَدًّا، فَلَمْ يَتَخَيَّرْ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، كَالْقَتْلِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا اُشْتُهِرَ أُنْزِلَ، وَدُفِعَ إلَى أَهْلِهِ، فَيُغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ.
(٧٣٢٣) " فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَتْلِهِ، لَمْ يُصْلَبْ؛ لِأَنَّ الصَّلْبَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَقَدْ فَاتَ الْحَدُّ بِمَوْتِهِ، فَيَسْقُطُ مَا هُوَ مِنْ تَتِمَّتِهِ.
وَإِنْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ بِمُثَقَّلٍ قُتِلَ، كَمَا لَوْ قَتَلَ بِمُحَدَّدِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِهِمَا. وَإِنْ قَتَلَ بِآلَةٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهَا، كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعُمُومِ.
الْحَالُ الثَّانِي: قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ وَلَا يُصْلَبُونَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُمْ يُصْلَبُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُحَارِبُونَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ، فَيُصْلَبُونَ، كَاَلَّذِينَ أَخَذُوا الْمَالَ. وَالْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ فِيهِمْ قَالَ فِيهِ: وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، قُتِلَ ". وَلَمْ يَذْكُرْ صَلْبًا؛ وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُمْ بِأَخْذِ الْمَالِ مَعَ الْقَتْلِ تَزِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute