أَسَرَ عِلْجًا أَوْ قَتَلَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا أُسِرَ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ صَبْرًا، فَسَلَبُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ مِنْ الْقَتْلِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ بِالْقَتْلِ، كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ بِالْأَسْرِ. قَالَ: وَإِنْ اسْتَبْقَاهُ الْإِمَامُ، كَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ، أَوْ رَقَبَتُهُ وَسَلَبُهُ، لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَاسْتَبْقَى سَائِرَهُمْ، فَلَمْ يُعْطِ مَنْ أَسَرَهُمْ أَسْلَابَهُمْ، وَلَا فِدَاءَهُمْ، وَكَانَ فِدَاؤُهُمْ غَنِيمَةً. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، وَلَيْسَ الْآسِرُ بِقَاتِلٍ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسْرَى، وَلَوْ كَانَ لِمَنْ أَسَرَهُ، كَانَ أَمْرُهُ إلَيْهِ دُونَ الْإِمَامِ. الرَّابِعُ، أَنْ يُغَرِّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ، فَأَمَّا إنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ، فَلَا سَلَبَ لَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، إنَّمَا هُوَ فِي الْمُبَارَزَةِ، لَا يَكُونُ فِي الْهَزِيمَةِ.
وَإِنْ حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ، فَالسَّلَبُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُغَرِّرُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قَتْلِهِ. وَإِنْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ اثْنَانِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ سَلَبَهُ غَنِيمَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَهُ السَّلَبُ إذَا انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ الْقَاضِي، إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي سَلَبِهِ؛ لِقَوْلِهِ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ، وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ، فَاشْتَرَكَا فِي السَّلَبِ. وَلَنَا، أَنَّ السَّلَبَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّغْرِيرِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَتْلِ الِاثْنَيْنِ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ السَّلَبُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَّكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ.
فَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي ضَرْبِهِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنْ الْآخَرِ، فَالسَّلَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَأَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ. وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.» وَإِنْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ، فَأَدْرَكَ إنْسَانٌ مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ، فَقَتَلَهُ، فَلَا سَلَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ فِي قَتْلِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَانْهَزَمَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ فَرٌّ وَكَرٌّ، وَقَدْ قَتَلَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ طَلِيعَةً لِلْكُفَّارِ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَتَلَهُ؟ . قَالُوا: سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ. قَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: السَّلَبُ لِكُلِّ قَاتِلٍ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَاحْتِجَاجًا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ هَذَا.
وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَفَّفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَهُ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ صَبْرًا، وَلَمْ يُعْطِ سَلَبَهُمَا مَنْ قَتَلَهُمَا، وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ صَبْرًا، فَلَمْ يُعْطِ مَنْ قَتَلَهُمْ أَسْلَابَهُمْ، وَإِنَّمَا أَعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ مُبَارِزًا، أَوْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ، وَغَرَّرَ فِي قَتْلِهِ، وَالْمُنْهَزِمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، قَدْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُغَرِّرْ قَاتِلُهُ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ كَالْأَسِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute