إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْتَلِفَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ فَلَمْ تُقَدَّرْ كَالْأُجْرَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ، أَنَّ أَقَلَّهَا مُقَدَّرٌ بِدِينَارٍ، وَأَكْثَرَهَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ، وَلَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ لِأَنَّ عُمَرَ زَادَ عَلَى مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَجَعَلَهَا خَمْسِينَ. (٧٦٤٦) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّنَا إذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ، فَقَدْرُهَا فِي حَقِّ الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَفِي حَقِّ الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي حَقِّ الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٍ: هِيَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَفِي حَقِّ الْفَقِيرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَاجِبُ دِينَارٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ جَعْلُهَا عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، لِنَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، قَالُوا: وَقَضَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَنَا حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ حَدِيثٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَشُهْرَتِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَعَمِلَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَصَارَ إجْمَاعًا لَا يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْعَمَلِ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ، فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْفَقْرِ عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ غَيْرَ وَاجِبٍ، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ صِغَارًا أَوْ عُقُوبَةً، فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، كَالْعُقُوبَةِ فِي الْبَدَنِ، مِنْهُمْ مَنْ يُقْتَلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْتَرَقُّ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا عِوَضًا عَنْ سُكْنَى الدَّارِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَوَجَبَتْ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالزَّمْنَى وَالْمَكَافِيفِ.
(٧٦٤٧) فَصْلٌ وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي حَقِّهِمْ، مَا عَدَّهُ النَّاسُ غِنًى فِي الْعَادَةِ، وَلَيْسَ بِمُقَدَّرٍ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَاتِ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، فَيُرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute