للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَيَوَانِ بِمَنْزِلَةِ إفْرَاءِ الْأَوْدَاجِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ» .

وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكِّي، فَتُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ فِيهِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ يُسَمِّيَ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، لَمْ يُبَحْ، هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد.

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ، إنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَالْكَلْبِ، أُبِيحَ. قَالَ الْخَلَّالُ: سَهَا حَنْبَلٌ فِي نَقْلِهِ؛ فَإِنَّ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَتِهِ، إذَا نَسِيَ وَقَتَلَ، لَمْ يَأْكُلْ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ فِي النِّسْيَانِ دُونَ الْعَمْدِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْجَارِحَةِ جَرَى مَجْرَى التَّذْكِيَةِ، فَعُفِيَ عَنْ النِّسْيَانِ فِيهِ، كَالذَّكَاةِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ التَّسْمِيَةَ تُشْتَرَطُ عَلَى إرْسَالِ الْكَلْبِ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي إرْسَالِ السَّهْمِ؛ إلَيْهِ حَقِيقَةً، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّكِّينِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُبَاحُ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَ رَوَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ فَقِيلَ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ؟ فَقَالَ: اسْمُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى مِثْلُ هَذَا.

وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] . وَقَالَ {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: ٤] . وَقَالَ النَّبِيُّ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَسَمَّيْت، فَكُلْ. قُلْت أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: " وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ، فَلَا تَأْكُلْ ".

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ: «وَمَا صِدْت بِقَوْسِك، وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» . وَهَذِهِ نُصُوصٌ صَحِيحَةٌ لَا يُعْرَجُ عَلَى مَا خَالَفَهَا. وَقَوْلُهُ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِثْمِ، لَا جَعْلَ الشَّرْطِ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ نَسِيَ شَرْطَ الصَّلَاةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالذَّبِيحَةِ، أَنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ فِي مَحِلِّهِ، فَجَازَ أَنْ يُتَسَامَحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ. وَأَمَّا أَحَادِيثُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>