بِأَبِي ثَوْرٍ. وَمِمَّنْ رُوِيَتْ عَنْهُ كَرَاهِيَةُ ذَبَائِحِهِمْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٌّ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو بُرْدَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] فَمَفْهُومُهُ تَحْرِيمُ طَعَامِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا كِتَابَ لَهُمْ، فَلَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ كَأَهْلِ الْأَوْثَانِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ نَزَلْتُمْ بِفَارِسَ مِنْ النَّبَطِ، فَإِذَا اشْتَرَيْتُمْ لَحْمًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَكُلُوا، وَإِنْ كَانَتْ ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ فَلَا تَأْكُلُوا» . وَلِأَنَّ كُفْرَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ أَهْلِ كِتَابٍ، يَقْتَضِي تَحْرِيمَ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، بِدَلِيلِ، سَائِرِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْكِتَابِ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لِدِمَائِهِمْ، فَلَمَّا غُلِّبَتْ فِي التَّحْرِيمِ لِدِمَائِهِمْ، فَيَجِبُ أَنْ يُغَلَّبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ الذَّبَائِحِ وَالنِّسَاءِ، احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إجْمَاعٌ، فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ، وَلَا فِي مَنْ بَعْدَهُمْ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ سَعِيدٍ، رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا.
وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ مَا صَادُوهُ مِنْ الْحِيتَانِ. حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت سَبْعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ مَنْ لَا يَخْتَلِجُ فِي صُدُورِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَالْجَرَادُ كَالْحِيتَانِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ تُبَاحُ مَيْتَتُهُ، فَلَمْ يَحْرُمْ بِصَيْدِ الْمَجُوسِيِّ، كَالْحُوتِ. (٧٧٥٣) فَصْلٌ: وَحُكْمُ سَائِرِ الْكُفَّارِ، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالزَّنَادِقَةِ وَغَيْرِهِمْ، حُكْمُ الْمَجُوسِيِّ، فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَصَيْدِهِمْ، إلَّا الْحِيتَانَ وَالْجَرَادَ وَسَائِرَ مَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ، فَإِنَّ مَا صَادُوهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ بِذَلِكَ عَنْ مَوْتِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ؛ السَّمَكُ، وَالْجَرَادُ» . وَقَالَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ.» (٧٧٥٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: وَطَعَامُ الْمَجُوسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ أَنْ يُؤْكَلَ، وَإِذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ أَنْ يُقْبَلَ، إنَّمَا تُكْرَهُ ذَبَائِحُهُمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute