فَأَمَّا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ، أَتَى بِهِ، عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِيمَا بَعْدُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ.
فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ. ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَنَى عَلَيْهَا، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوَهُ قَالَ مَالِكٌ وَيُرْجَعُ فِي طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَقَوْلِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَصْلُ الطَّوِيلُ قَدْرُ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي نَسِيَ فِيهَا وَاَلَّذِي قُلْنَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيُرْجَعُ إلَى الْعُرْفِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ بِالتَّحَكُّمِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مَتَى تَرَكَ رُكْنًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى سَلَّمَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ مِنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةٍ، ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ، سَجَدَهَا مَتَى ذَكَرَهَا، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ، سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ فِي الْمُصَلِّي يَنْسَى سَجْدَةً أَوْ رَكْعَةً، يُصَلِّيهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي رَجُلٍ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَذَكَرَهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَهَا. وَلَنَا، عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ، أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ، أَتَى بِمَا تَرَكَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا. وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِذَا تَرَكَ رُكْنًا وَاحِدًا، فَأَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُلَ الصَّلَاةُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِ رَكْعَةٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِتَطَاوُلِ الْفَصْلِ، أَنَّهُ أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِي يَوْمٍ ثَانٍ.
(٨٨٤) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالرُّكْنِ وَمَا بَعْدَهُ لَا غَيْرُ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ: إذَا كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ، قَضَى رَكْعَةً، لَا يَعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِسَجْدَتَيْهَا، فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ مَعَ الرَّكْعَةِ سَجْدَتَيْهَا، وَأَخَذَ فِي عَمَلٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ، قَضَى رَكْعَةً، ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute