للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَعْصِبَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، إلَّا مَا حَصَلَ الْقَسْمُ» .

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ أَنْ يُخْلِفَ شَيْئًا، إذَا قُسِمَ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى بَعْضِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا.

وَلِأَنَّنَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ مَانِعٌ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا مَانِعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَانِعُ هُوَ ضَرَرَ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مَانِعًا، كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا مَعَ ضَرَرِهِمَا أَوْ ضَرَرِ أَحَدِهِمَا، فَتَعَيَّنَ الضَّرَرُ الْمَانِعُ فِي جِهَةِ الْمَطْلُوبِ، وَلِأَنَّهُ ضَرَرٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ، فَمَنَعَ الْقِسْمَةَ، كَمَا لَوْ اسْتَضَرَّا مَعًا.

وَإِنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ الْمُسْتَضِرُّ بِهَا، كَصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهَا.

هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ دَفْعَ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ عَنْهُ، بِأَمْرٍ لَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.

يُحَقِّقُهُ أَنَّ ضَرَرَ الطَّالِبِ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَسَقَطَ حُكْمُهُ، وَالْآخَرُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.

وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقَسْمِ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ طَلَبَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُسْتَضِرِّ سَفَهٌ، فَلَا يَجِبُ إجَابَتُهُ إلَى السَّفَهِ. قَالَ الشَّرِيفُ: مَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَضِرُّ، لَمْ تَجِبْ الْقِسْمَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا يَنْتَفِعُ بِهَا، وَجَبَتْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ انْتَفَعَ بِهَا الطَّالِبُ، وَجَبَتْ، وَإِنْ اسْتَضَرَّ بِهَا الطَّالِبُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا، وَلِلْآخَرَيْنِ نِصْفُهَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا، فَإِذَا قُسِمَتْ اسْتَضَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَسْتَضِرَّ صَاحِبُ النِّصْفِ، فَطَلَبَ صَاحِبُ النِّصْفِ الْقِسْمَةَ، وَجَبَتْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا نِصْفَيْنِ، فَيَصِيرُ حَقُّهُمَا لَهُمَا دَارًا، وَلَهُ النِّصْفُ، فَلَا يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ مِنْهُمَا.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَضِرُّ بِإِفْرَازِ نَصِيبِهِ.

وَإِنْ طَلَبَا الْمُقَاسَمَةَ، فَامْتَنَعَ صَاحِبُ النِّصْفِ أُجْبِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَإِنْ طَلَبَا إفْرَازَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>