وَلْتُصَفِّقْ النِّسَاءُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قُلْت لِبِلَالٍ:: «كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ» وَعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: «مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً. وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إشَارَةً بِإِصْبَعِهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ. فَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ فَفِي حَقِّ الرِّجَالِ، فَإِنَّ حَدِيثَنَا يُفَسِّرُهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَزِيَادَةَ بَيَانٍ، يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ فَضَعِيفٌ، يَرْوِيهِ أَبُو غَطَفَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
(٨٩٨) فَصْلٌ: إذَا سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ يَثِقُ بِقَوْلِهِمَا، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صَوَابُهُمَا أَوْ خِلَافُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خَطَؤُهُمَا لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ، فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ.
وَلَنَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، لَمَّا سَأَلَهُمَا: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ» . مَعَ أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَنْكَرَ مَا قَالَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، وَسَأَلَهُمَا عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى شَكِّهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ، لِيُذَكِّرُوا الْإِمَامَ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فَزَادَ أَوْ نَقَصَ، إلَى قَوْلِهِ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» . يَعْنِي بِالتَّسْبِيحِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَكَذَا نَقُولُ فِي الْحَاكِمِ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صَوَابِهِ، وَخَطَإِ الْمَأْمُومِينَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمْ، كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالشَّاهِدَيْنِ. وَيَتْرُكُ يَقِينَ نَفْسِهِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ خَطَأَهُمْ فَلَا يَتَّبِعُهُمْ فِي الْخَطَأِ. وَكَذَا نَقُولُ فِي الشَّاهِدَيْنِ: مَتَى عَلِمَ الْحَاكِمُ كَذِبَهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا شَاهِدَا زُورٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ الزُّورِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشُّهُودِ، وَرُدَّتْ شَهَادَةُ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُمْ، فَمَعَ يَقِينِ الْعِلْمِ بِالْكَذِبِ أَوْلَى أَنْ لَا يُقْبَلَ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُونَ فَلَمْ يَرْجِعْ، فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَيْسَ لِلْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ، فَإِنْ اتَّبَعُوهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، أَوْ جَاهِلِينَ بِهِ، فَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْوَاجِبَ عَمْدًا. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي هَذَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute