للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ لِقَوْلِهِ فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ. وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ إتْمَامُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْكَلَامِ وَالِانْصِرَافِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، فَالسُّجُودُ أَوْلَى (٩١٦) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْجُدُ فِيهَا، فَفِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، يَسْجُدُ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَسْجُدْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ.

وَقَالَ الْقَاضِي: يُرْجَعُ فِي طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعَادَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَالسُّجُودُ أَوْلَى، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ خَرَجَ وَتَبَاعَدَ وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ جُبْرَانٌ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ كَجُبْرَانِ الْحَجِّ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ وَإِنْ كَانَ لِنَقْصٍ أَتَى بِهِ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّهُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ، كَرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَكَمَا لَوْ كَانَ مِنْ نَقْصٍ وَإِنَّمَا ضَبَطْنَاهُ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الصَّلَاةِ وَمَوْضِعُهَا، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُدَّةُ، كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ. (٩١٧) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَتَى سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ.

فَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ سَلَّمَ عَقِبَهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ تَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ، سَوَاءٌ كَانَ مَحِلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، أَوْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ فَنَسِيَهُ إلَى مَا بَعْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَقَالَ أَنَسٌ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: لَيْسَ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَلَا تَسْلِيمٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِمَا تَسْلِيمٌ بِغَيْرِ تَشَهُّدٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: التَّسْلِيمُ فِيهِمَا ثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَفِي ثُبُوتِ التَّشَهُّدِ نَظَرٌ وَعَنْ عَطَاءٍ: إنْ شَاءَ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ.

وَلَنَا، عَلَى التَّكْبِيرِ قَوْلُ ابْنِ بُحَيْنَةَ: «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، كَبَّرَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ.» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ.

وَأَمَّا التَّسْلِيمُ فَقَدْ ذَكَرَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فِي حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ فِيهِ «سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ يُسَلِّمُ لَهُ، فَكَانَ مَعَهُ تَشَهُّدٌ، كَسُجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>