فَالْأَوَّلِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثُّلُثَ. وَإِنْ وَقَعَ الْعِتْقُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الثُّلُثِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأُخْرِجَ الثُّلُثُ بِالْقُرْعَةِ. وَمَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْعِتْقُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ. وَأَمَّا إنْ دَبَّرَهُمْ، اسْتَوَى الْمُقَدَّمُ وَالْمُؤَخَّرُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَهُوَ الْمَوْتُ، وَالشَّرْطُ إذَا وُجِدَ ثَبَتَ الْمَشْرُوطُ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، يَسْتَوِي هُوَ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ عِتْقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَمَتَى أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدْ مُتَسَاوِينَ فِي الْقِيمَةِ، هُمْ جَمِيعُ مَالِهِ، دُفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ دَبَّرَهُمْ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ، أَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ وَوَصَّى بِعِتْقِ بَاقِيهِمْ، وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ وَرَقَّ صَاحِبَاهُ. وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد، وَابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِيهِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَيَتَسَاوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا لَوْ كَانَ يَمْلِكُ ثُلُثَهُمْ وَحْدَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، أَوْ كَمَا لَوْ وَصَّى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَرَجُلٍ. وَأَنْكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الْقُرْعَةَ، وَقَالُوا: هِيَ مِنْ الْقِمَارِ وَحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلَعَلَّهُمْ يَرُدُّونَ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ قِيَاسَ الْأُصُولِ.
وَذُكِرَ الْحَدِيثُ لِحَمَّادٍ، فَقَالَ: هَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ - يَعْنِي إبْلِيسَ - فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ: وُضِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهُمْ الْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ - يَعْنِي إنَّكَ مَجْنُونٌ - فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ: مَا دَعَاكَ إلَى هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: وَأَنْتَ، فَمَا دَعَاكَ إلَى هَذَا؟ وَهَذَا قَلِيلٌ فِي جَوَابِ حَمَّادٍ، وَكَانَ حَرِيًّا أَنْ يُسْتَتَابَ عَنْ هَذَا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَلَنَا مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فِي مَرَضِهِ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَجَزَّأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . وَهَذَا نَصٌّ فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ، وَحُجَّةٌ لَنَا فِي الْأَمْرَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمَا، وَهُمَا جَمْعُ الْحُرِّيَّةِ وَاسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَسَائِرُ أَصْحَابِ السُّنَنِ. وَرَوَاهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو الْمُهَلَّبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute