للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِيَ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كَانَ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَأَبَى، فَأَخْبَرَ سِيرِينُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، فَرَفَعَ الدِّرَّةَ عَلَى أَنَسٍ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] . فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ.

وَلَنَا، أَنَّهُ إعْتَاقٌ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يَجِبْ، كَالِاسْتِسْعَاءِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يُخَالِفُ فِعْلَ أَنَسٍ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ، وَصَلَاحٌ، وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَنَحْوُ هَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَعِبَارَتُهُمْ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غِنًى، وَإِعْطَاءٌ لِلْمَالِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غِنًى، وَأَدَاءٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: صِدْقٌ، وَوَفَاءٌ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَالٌ، وَصَلَاحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ، وَأَمَانَةٌ. وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ أَوْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ كَرَاهِيَتُهُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَكْرَهُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ «لِأَنَّ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، كَاتَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>