للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ. وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ، كَبَعْضِ أَعْضَائِهَا.

وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ، وَلَا أَذْهَبُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَعْتَقَ جَارِيَةً، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَهَذَا قَدْ شَرَطَ مَا فِي بَطْنِ مُعْتَقِهِ، فَكَانَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ.

وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَاره بِالْعِتْقِ، فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَأَمَّا خَبَرُهُمْ، فَنَقُولُ بِهِ، وَالْحَمْلُ مَعْلُومُ، فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْعِوَضِ؛ لِيُعْلَمَ هَلْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْعِوَض أَمْ لَا؟ وَالْعِتْقُ تَبَرُّعٌ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمُعْتَقِ. وَلَا تُنَافِيه الْجَهَالَةُ بِهَا، وَيَكْفِي الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ صَحَّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَصِحَّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ فِي الْبَيْعِ إذَا بَطَلَ، بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ، وَهَا هُنَا إذَا بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ، لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ فِي الْأَمَةِ، وَيَسْرِي الْإِعْتَاقُ إلَيْهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ إعْتَاقه مَعَ تَضَادِّ الْحُكْمِ فِيهِمَا؟ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِرَادُهُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ دُونَ الْحَمْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْ أَمَتِهِ، صَارَتْ كُلُّهَا حُرَّةً، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضَهَا، سَرَى إلَى الْمُسْتَثْنَى، وَالْوَلَدُ حَيَوَانٌ مُنْفَرِدٌ، لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ تَسْرِ الْحُرِّيَّةُ إلَى أُمِّهِ، وَيَصِحُّ انْفِرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ عَنْ أُمِّهِ، فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ دُونَهَا، وَفِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ، وَفِيمَا إذَا وَطِئَ بِشُبْهَةٍ، وَفِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيُوصَى بِهِ وَلَهُ، وَإِذَا قُتِلَ كَانَ بَدَلُهُ مَوْرُوثًا، وَلَا تَخْتَصُّ بِهِ أُمُّهُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ، وَالدِّيَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أَعْضَائِهَا؟ فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا، فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ.

قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، قَالَ: هُوَ حُرٌّ، وَالْأُمُّ مَمْلُوكَةٌ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مِنْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ وَلَدِهَا. قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: جَيِّدٌ. وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ، فَقَالَتْ: قَدْ حَبِلْت. فَقَالَ لَهَا مَوْلَاهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>