وَلَنَا، مَا رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ. وَذَكَرَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، فِي (مَسَائِلِهِ) ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَا يَبِعْنَ وَلَا يَرْهَنَّ، وَلَا يَرِثْنَ، وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا بَدَا لَهُ، فَإِنْ مَاتَ، فَهِيَ حُرَّةٌ.» وَهَذَا فِيمَا أَظُنُّ عَنْ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، بِدَلِيلِ قَوْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كَانَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ، أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ. وَقَوْلُهُ: فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ. وَقَوْلِ عُبَيْدَةَ: رَأْيُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَعُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ، أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِهِ وَحْده.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُقِرُّ بِأَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، ثُمَّ يَمُوتُ، إلَّا أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا إذَا وَلَدَتْ، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْف تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، مَعَ مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قُلْنَا: قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ، فَقَدْ رَوَى عُبَيْدَةُ، قَالَ: بَعَثَ إلَيَّ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَإِلَى شُرَيْحٍ، أَنْ اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَبْغَضُ الِاخْتِلَافَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا. وَهُوَ الرَّاوِي لِحَدِيثِ عِتْقِهِنَّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ، فَيَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ. ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِاتِّفَاقِهِمْ قَبْلَ الْمُخَالَفَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ زَمَنٌ عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ، لَجَازَ فِي جَمِيعِهِ، وَرَأْيُ الْمُوَافِقِ فِي زَمَنِ الِاتِّفَاقِ، خَيْرٌ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْخِلَافِ بَعْدَهُ، فَيَكُونُ الِاتِّفَاقُ حُجَّةً عَلَى الْمُخَالِفِ لَهُ مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute