سَوَاءٌ عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ، مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ عَلِقَتْ بِحُرٍّ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ غُرَّ مِنْ أَمَةٍ، وَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَاسْتَوْلَدَهَا، أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا، فَبَانَتْ مُسْتَحَقَّةً، فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِحَالٍ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ إنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. وَالْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذِهِ الشُّرُوطِ هَا هُنَا، ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا، وَأَمَّا انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَائِهَا، فَيُذْكَرُ فِي مَسَائِلَ مُفْرَدَةٍ لَهَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ تَضَعَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ؛ مِنْ رَأْسٍ، أَوْ يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ تَخْطِيطٍ، سَوَاءٌ وَضَعَتْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ أَسْقَطَتْهُ، أَوْ كَانَ تَامًّا. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا، فَقَدْ عَتَقَتْ وَإِنْ كَانَ سَقْطًا، وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا سَقْطًا، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أُمُّ الْوَلَدِ، إذَا أَسْقَطَتْ، لَا تَعْتِقُ؟ فَقَالَ: إذَا تَبَيَّنَ فِيهِ يَدٌ، أَوْ رِجْلٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدْ عَتَقَتْ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا تَلَبَّثَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ، فَكَانَ مُخَلَّقًا، انْقَضَتْ بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَأُعْتِقَتْ بِهِ الْأَمَةُ. وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، فَأَمَّا إنْ أَلْقَتْ نُطْفَةً، أَوْ عَلَقَةً، لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَلَدٍ. وَرَوَى يُوسُفَ بْنُ مُوسَى، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي الْأَمَةِ إذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً؟ قَالَ: تَعْتِقُ. وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
وَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ، أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً، تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّهُنَّ اطَّلَعْنَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِنَّ. وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْنَ بِذَلِكَ، لَكِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ؛ إمَّا بِشَهَادَتِهِنَّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ الْمُتْلِفِ لَهُ الْغُرَّةُ، وَلَا الْكَفَّارَةُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَائِرِ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَتَبَيَّنَ شَيْءٌ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ، أَشْبَهَ النُّطْفَةَ وَالْعَلَقَةَ. وَالثَّانِيَةُ، تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ إذَا تَبَيَّنَ.
وَخَرَّجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ رِوَايَةً ثَالِثَةً، وَهُوَ أَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَمَةِ إذَا وَضَعَتْ، فَمَسَّتْهُ الْقَوَابِلُ، فَعَلِمْنَ أَنَّهُ لَحْمٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَحْمُهُ: تَحْتَاطُ فِي الْعِدَّة بِأُخْرَى، وَيُحْتَاطُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ. وَظَاهِرُ هَذَا، أَنَّهُ حَكَمَ بِعِتْقِ الْأَمَةِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأَمَةِ. يَحْصُلُ لِلْحُرِّيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute