فَإِنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْفَضْلِ الْمَقْدِسِيَّ، قَالَ: هُوَ مَوْضُوعٌ. وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، بِدَلِيلِ خِطَابِهِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً. (٩٧٦) فَصْلٌ: وَالْقَيْحُ، وَالصَّدِيدُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ، بِمَنْزِلَتِهِ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: هُوَ أَسْهَلُ مِنْ الدَّمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَاهُ كَالدَّمِ.
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ، فِي الصَّدِيدِ: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ. وَقَالَ أُمَيُّ بْنُ رَبِيعَةَ، رَأَيْت طَاوُسًا كَأَنَّ إزَارَهُ نُطِعَ مِنْ قُرُوحٍ كَانَتْ بِرِجْلَيْهِ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ السَّرَّاجُ: رَأَيْت حَاشِيَةَ إزَارِ مُجَاهِدٍ قَدْ ثَبَتَتْ مِنْ الصَّدِيدِ وَالدَّمِ مِنْ قُرُوحٍ كَانَتْ بِسَاقَيْهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، فِي الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْحُبُونُ: يُصَلِّي، وَلَا يَغْسِلُهُ، فَإِذَا بَرِئَ غَسَلَهُ. وَقَالَ عُرْوَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كِنَانَةَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا يُعْفَى مِنْهُ عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ مِنْ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْحُشُ مِنْهُ إلَّا أَكْثُرُ مِنْ الدَّمِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ النَّجَاسَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ مِنْ الدَّمِ إلَى حَالٍ مُسْتَقْذَرَةٍ.
(٩٧٧) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الدَّمِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، بِحَيْثُ إذَا جُمِعَ بَلَغَ هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ صَفِيقٍ، قَدْ نَفَذَتْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَاتَّصَلَ ظَاهِرُهُ بِبَاطِنِهِ، فَهُوَ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلَا، بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ، فَهُمَا نَجَاسَتَانِ، إذَا بَلَغَا - لَوْ جُمِعَا - قَدْرًا لَا يُعْفَى عَنْهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَا فِي جَانِبَيْ الثَّوْبِ (٩٧٨) . فَصْلٌ: وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمِ الْحَيْضِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَعَنْ سَائِرِ دِمَاءِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ. فَأَمَّا دَمُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ؛ لِأَنَّ رُطُوبَاتِهِ الطَّاهِرَةَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، فَدَمُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ أَصَابَ جِسْمَ الْكَلْبِ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ، كَالْمَاءِ إذَا أَصَابَهُ. وَهَكَذَا كُلُّ دَمٍ أَصَابَ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِذَلِكَ.
(٩٧٩) فَصْلٌ: وَدَمُ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالْبَقِّ، وَالْبَرَاغِيثِ، وَالذُّبَابِ، وَنَحْوِهِ، فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ طَاهِرٌ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَاكِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute