الْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَفُرَادَى. وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، أَيُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ. إنَّمَا هِيَ نَافِلَةٌ فَلَا يَدْخُلُ، فَإِنْ دَخَلَ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَالْمَغْرِبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ يَشْفَعُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ أَعَادَ الْمَغْرِبَ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يُعِدْهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى الْإِعَادَةِ قَالَ فِيهِ: صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُعَادُ الْفَجْرُ وَلَا الْعَصْرُ وَلَا الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَلَا تُعَادُ الْمَغْرِبُ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَكُونُ بِوِتْرٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالنَّخَعِيِّ: تُعَادُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا إلَّا الصُّبْحَ وَالْمَغْرِبَ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: تُعَادُ كُلُّهَا إلَّا الْمَغْرِبَ، لِئَلَّا يَتَطَوَّعَ بِوِتْرٍ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: إلَّا الصُّبْحَ وَحْدَهَا.
وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّتَهُ فَصَلَّيْت مَعَهُ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ. فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: لَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْأَثْرَمُ.
وَرَوَى مَالِكٌ، فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُذِّنَ لِلصَّلَاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ . فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْت فِي أَهْلِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا جِئْت فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «إنَّ خَلِيلِي - يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَانِي أَنْ أُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِذَا أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْت، فَلَا أُصَلِّي» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِعُمُومِهَا تَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ صَرِيحٌ فِي إعَادَةِ الْفَجْرِ، وَالْعَصْرُ مِثْلُهَا، وَالْأَحَادِيثُ بِإِطْلَاقِهَا تَدُلُّ عَلَى الْإِعَادَةِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الْغَدَاةَ فِي الْمِرْبَدِ، فَانْتَهَيْنَا إلَى الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute