هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» ، يَجْهَرُ بِهِ. يَعْنِي لِيُسْتَمَعَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " فَقَالَ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَغَيْرُهُمَا: مَعْنَاهُ يَسْتَغْنِي بِالْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُغَنِّ بِالْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَعْنَاهُ يُحْسِنُ قِرَاءَتَهُ، وَيَتَرَنَّمُ بِهِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ. كَمَا قَالَ أَبُو مُوسَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حُزْنُهُ فَيَقْرَؤُهُ بِحُزْنٍ مِثْلُ صَوْتِ أَبِي مُوسَى.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ تَحْسِينَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ، وَتَطْرِيبَهُ، مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، مَا لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ لَفْظِهِ، وَزِيَادَةِ حُرُوفِهِ، فَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ أَسْمَعْ قِرَاءَةً أَحْسَنَ مِنْ قِرَاءَتِهِ. فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَمَعَ قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ قَالَ هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا» . «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مُوسَى: إنِّي مَرَرْتُ بِكَ الْبَارِحَةَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ، فَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا» . مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute