هُوَ شَيْطَانٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلِيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» .
وَمَعْنَاهُ: أَيْ لِيَدْفَعْهُ. وَهَذَا فِي أُولِي الْأَمْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى دَفْعِهِ، فَإِنْ أَبَى، وَلَجَّ، فَلِيُقَاتِلْهُ، أَيْ يُعَنِّفْهُ فِي دَفْعِهِ مِنْ الْمُرُورِ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ، أَيْ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ، أَوْ الشَّيْطَانُ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَعَهُ شَيْطَانًا. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إذَا لَجَّ فِي الْمُرُورِ، وَأَبَى الرُّجُوعَ، أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ، وَيَجْتَهِدُ فِي رَدِّهِ، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ صَلَاتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَدْرَأُ مَا اسْتَطَاعَ، وَأَكْرَهُ الْقِتَالَ فِي الصَّلَاةِ.
وَذَلِكَ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَفَسَادِ الصَّلَاةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِرَدِّهِ وَدَفْعِهِ حِفْظًا لِلصَّلَاةِ عَمَّا يَنْقُصُهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَا يُفْسِدُهَا وَيَقْطَعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُحْمَلُ لَفْظُ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى دَفْعٍ أَبْلَغَ مِنْ الدَّفْعِ الْأَوَّلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْتَهِدْ فِي الدَّفْعِ. فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، وَإِنْسَانٍ وَبَهِيمَةٍ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ رَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ وَزَيْنَبَ وَهُمَا صَغِيرَانِ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَى جُدُرٍ، فَاِتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يَدْرَأُ بِهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِلْدِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ.
(١٢٢١) فَصْلٌ: فَإِنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ إنْسَانٌ فَعَبَرَ، لَمْ يُسْتَحَبَّ رَدُّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ يَرُدُّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَفَعَلَهُ سَالِمٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَدِّهِ، فَتَنَاوَلَ الْعَابِرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute