فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ.
(١٦٩٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَأَسَامَهَا أَكْثَرَ السَّنَةِ، فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي الْخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ) وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَثَابِتٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا رَوَيْنَاهُ وَغَيْرِهِ، إلَّا قَوْلَهُ: " فَأَسَامَهَا أَكْثَرَ السَّنَةِ ".
فَإِنَّ مَذْهَبَ إمَامِنَا وَمَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَائِمَةً أَكْثَرَ السَّنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي الزَّكَاةِ، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، كَالْمِلْكِ وَكَمَالِ النِّصَابِ، وَلِأَنَّ الْعَلْفَ يُسْقِطُ وَالسَّوْمَ يُوجِبُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ الْإِسْقَاطُ، كَمَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا بَعْضُهُ سَائِمَةٌ وَبَعْضُهُ مَعْلُوفَةٌ.
وَلَنَا عُمُومُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي نُصُبِ الْمَاشِيَةِ، وَاسْمُ السَّوْمِ لَا يَزُولُ بِالْعَلْفِ الْيَسِيرِ، فَلَا يَمْنَعُ دُخُولَهَا فِي الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ لَلْمُؤْنَةُ، فَأَشْبَهَتْ السَّائِمَةَ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، وَلِأَنَّ الْعَلْفَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَاعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِالْكُلِّيَّةِ، سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَسُوغُ لَهُ الْفِرَارُ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَلَفَهَا يَوْمًا فَأَسْقَطَهَا، وَلِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الْكُلْفَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْأَكْثَرُ، كَالسَّقْيِ بِمَا لَا كُلْفَةَ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ.
وَقَوْلُهُمْ " السَّوْمُ شَرْطٌ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَمْنَعَ. وَنَقُولُ: بَلْ الْعَلْفُ إذَا وُجِدَ فِي نِصْفِ الْحَوْلِ فَمَا زَادَ مَانِعٌ، كَمَا أَنَّ السَّقْيَ بِكُلْفَةِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْعُشْرِ، وَلَا يَكُونُ مَانِعًا حَتَّى يُوجَدَ فِي النِّصْفِ فَصَاعِدًا، كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَهُ شَرْطًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرْطُ وُجُودِهِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ، كَالسَّقْيِ بِمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ، وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي الْأَكْثَرِ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ فِي بَعْضِ النِّصَابِ مَعْلُوفٌ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي جَمِيعِهِ، وَأَمَّا الْحَوْلُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ الشَّرْطُ فِي أَكْثَرِهِ.
(١٦٩٤) فَصْلٌ: وَلَا يُجْزِئُ فِي الْغَنَمِ الْمُخْرَجَةِ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ، وَكَذَلِكَ شَاةُ الْجُبْرَانِ، وَأَيَّهُمَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ. وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مِنْ جِنْسِ غَنَمِهِ، وَلَا جِنْسِ غَنَمِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ مُطْلَقَةٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ وُجُوبُهَا، وَلَيْسَ غَنَمُهُ وَلَا غَنَمُ الْبَلَدِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا، فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِذَلِكَ، كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْفِدْيَةِ، وَتَكُونُ أُنْثَى، فَإِنْ أَخْرَجَ ذَكَرًا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ الْوَاجِبَةَ فِي نُصُبِهَا إنَاثٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْلَقَ لَفْظَ الشَّاةِ، فَدَخْلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَلِأَنَّ الشَّاةَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute