وَنَفْلٍ، فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ، وَتُفَارِقُ قَضَاءَ الدَّيْنِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ مُسْتَحِقِّهِ، وَوَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالسُّلْطَانُ يَنُوبَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ النِّيَّةَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا زَكَاتُهُ، أَوْ زَكَاةُ مَنْ يُخْرِجُ عَنْهُ. كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاعْتِقَادَاتِ كُلِّهَا الْقَلْبُ.
(١٧٥٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الْأَدَاءِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا، فَاعْتِبَارُ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلْإِخْرَاجِ يُؤَدِّي إلَى التَّغْرِيرِ بِمَالِهِ، فَإِنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى وَكِيلِهِ، وَنَوَى هُوَ دُونَ الْوَكِيلِ، جَازَ إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ نِيَّتُهُ الدَّفْعَ بِزَمَنِ طَوِيلٍ. وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى حَالَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ، وَنَوَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَلَوْ نَوَى الْوَكِيلُ وَلَمْ يَنْوِ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالْإِجْزَاءُ يَقَعُ عَنْهُ.
وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ نَاوِيًا وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ حَالَ دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، جَازَ، وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ. وَلَوْ تَصَدَّقَ الْإِنْسَانُ بِجَمِيعِ مَالِهِ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الزَّكَاةَ، لَمْ يُجْزِئْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ اسْتِحْبَابًا وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْفَرْضَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ بِهَا.
(١٧٦٠) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَشَكَّ فِي سَلَامَتِهِ، جَازَ لَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَكَانَتْ نِيَّةُ الْإِخْرَاجِ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. فَإِنْ نَوَى إنْ كَانَ مَالِي سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَهِيَ تَطَوُّعٌ. فَبَانَ سَالِمًا، أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهَا النَّفَلَ، وَهَذَا حُكْمُهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْهُ، فَإِذَا قَالَهُ لَمْ يَضُرَّ.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ أَوْ الْحَاضِرِ. صَحَّ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا إذَا أَخْرَجَ نِصْفَ دِينَارٍ عَنْهَا، صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقَعُ عَنْ عِشْرِينَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ أَوْ تَطَوُّعٌ. لَمْ يُجْزِئْهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ.
أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أُصَلِّي فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. وَإِنْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا وَإِلَّا فَهُوَ زَكَاةُ مَالِي الْحَاضِرِ. أَجْزَأَهُ عَنْ السَّالِمِ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَا سَالِمَيْنِ فَعَنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَإِنْ قَالَ: زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ. وَأَطْلَقَ، فَبَانَ تَالِفًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى زَكَاةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَةٍ عَيَّنَهَا فَلَمْ يَقَعْ عَنْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى كَفَّارَةٍ أُخْرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute