وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: وَاَللَّهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مَا يُصِيبُ النَّاسُ؟ فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ إذْ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَفْعَلَا. فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إلَّا نَفَاسَةً مِنْك عَلَيْنَا. قَالَ: فَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ. وَاَللَّهِ لَا أَرِيمُ مَكَانِي حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْكُمَا ابْنَاكُمَا بِخَبَرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إلَيْك كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ. فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» .
(١٧٨٤) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِذَوِي الْقُرْبَى الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَأَمَّا التَّطَوُّعِ، فَلَا. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَيْضًا؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ صَدَقَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] . وَقَالَ تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٨٠] . وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْمَعْرُوفِ إلَى الْهَاشِمِيِّ، وَالْعَفْوِ عَنْهُ وَإِنْظَارِهِ. وَقَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: ٨٨] . وَالْخَبَرُ أُرِيدَ بِهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ كَانَ لَهَا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعُودُ إلَى الْمَعْهُودِ. وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَقُلْت لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْوَصَايَا لِلْفُقَرَاءِ، وَمِنْ النُّذُورِ؛ لِأَنَّهُمَا تَطَوُّعٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute