للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ.

فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَلِأَنَّ حَدِيثَهُمْ دَلَّ عَلَى الْغِنَى الْمُوجِبِ، وَحَدِيثُنَا دَلَّ عَلَى الْغِنَى الْمَانِعِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا. فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ. قُلْنَا: قَدْ قَامَ دَلِيلُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ. الثَّانِي، أَنَّ مَنْ لَهُ مَا يَكْفِيه مِنْ مَالٍ غَيْرِ زَكَائِيٍّ، أَوْ مِنْ مَكْسَبِهِ، أَوْ أُجْرَةِ عَقَارَاتٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ فَهُوَ قَبِيحٌ، وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ، لِمَا ذَكَرُوهُ فِي حُجَّتِهِمْ. وَلَنَا، مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يُحْيِي بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، «عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ، فَصَعَّدَ فِيهِمَا الْبَصَرَ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» . قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَجْوَدَهُ مِنْ حَدِيثٍ. وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا يَصِحُّ. قِيلَ: فَحَدِيثُ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: سَالِمٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَلِأَنَّ لَهُ مَا يُغْنِيه عَنْ الزَّكَاةِ. فَلَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِ، كَمَالِكِ النِّصَابِ. الثَّالِثُ، أَنَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا زَكَائِيًّا، لَا تَتِمُّ بِهِ الْكِفَايَةُ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: ذَاكَرْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْت: قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهُوَ فَقِيرٌ وَيَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَتَكُونُ لَهُمْ الضَّيْعَةُ لَا تَكْفِيه، فَيُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ أَعْطُوهُمْ، وَإِنْ رَاحَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا.

قُلْت: فَهَذَا قَدْرٌ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْوَقْتِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ يَشْغَلُهُ أَوْ ضَيْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا تُقِيمُهُ، يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا زَكَائِيًّا؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، فَلَمْ تَجِبْ لَهُ لِلْخَبَرِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا يُغْنِيه، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ مَا يَكْفِيه، فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَا يَمْلِكُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلِأَنَّ الْفَقْرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَاجَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: ١٥] .

أَيْ: الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>