للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا وَاسْتِدْبَارُهَا لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ. وَلَنَا أَحَادِيثُ النَّهْيِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ.

وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْبُنْيَانِ، أَوْ مُسْتَتِرًا بِشَيْءٍ وَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِالِاحْتِمَالِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي نَذْكُرُهَا، فَأَمَّا فِي الْبُنْيَانِ، أَوْ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي النَّهْيِ.

وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا وَاسْتِدْبَارُهَا فِي الْبُنْيَانِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْعَبَّاسِ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَدْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُكِرَ لَهُ أَنَّ قَوْمًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ، مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، رَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَإِنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ. قَالَ أَحْمَدُ: عِرَاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ. فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مُرْسَلًا.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْبُنْيَانِ، وَهُوَ خَاصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ. وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْأَصْفَرِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا. فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى إنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلَا بَأْسَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَامِّ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِدْبَارُ الْكَعْبَةِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْفَضَاءِ جَمِيعًا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «رَقِيت يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(٢٢٥) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِفَرْجِهِ؛ لِمَا فِيهِمَا مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ اسْتَتَرَ عَنْهُمَا بِشَيْءٍ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَتَرَ عَنْ الْقِبْلَةِ جَازَ فَهَاهُنَا أَوْلَى.

وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرِّيحَ؛ لِئَلَّا تَرُدَّ عَلَيْهِ رَشَاشَ الْبَوْلِ، فَيُنَجِّسَهُ.

(٢٢٦) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ النَّاسِ، فَإِنْ وَجَدَ حَائِطًا أَوْ كَثِيبًا أَوْ شَجَرَةً أَوْ بَعِيرًا اسْتَتَرَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>