وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: طَاهِرًا وَنَجِسًا؛ فَالطَّاهِرُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى حَالٍ مَا، وَالنَّجِسُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي الْجُمْلَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةَ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَكَانَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لَا يُوجِبُونَ مِنْهُ وُضُوءًا، وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَا وُضُوءَ إلَّا فِيمَا خَرَجَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ، مَعَ بَقَاءِ الْمَخْرَجِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ نَقْضُ الطَّهَارَةِ، كَالْبُصَاقِ وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، لِكَوْنِ الْحُكْمِ فِيهِ غَيْرَ مُعَلَّلٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَطَاهِرِهِ وَنَجِسِهِ؛ وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ، فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ.
وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيت ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ ثَوْبَانُ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْت لَهُ وَضُوءَهُ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ قِيلَ لِأَحْمَدَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ ثَبَتَ عِنْدَك؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إذَا قَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ " قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، فَنَقَضَ الْوُضُوءَ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ. وَقِيَاسُهُمْ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا انْفَتَحَ مَخْرَجٌ دُونَ الْمَعِدَةِ.
(٢٦٠) فَصْلٌ: وَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْيَسِيرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الْيَسِيرَ يَنْقُضُ. وَلَا نَعْرِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْخَلَّالُ فِي " جَامِعِهِ " إلَّا فِي الْقَلْسِ، وَاطَّرَحَهَا وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْقُضُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الدَّمِ: إذَا كَانَ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَابْنُ أَبِي أَوْفَى بَزَقَ دَمًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. وَابْنُ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ دَمٌ، وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ كَانَ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أَنْفِهِ، وَابْنُ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً وَابْنُ أَبِي أَوْفَى عَصَرَ دُمَّلًا وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا كَانَ فَاحِشًا. وَجَابِرٌ أَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي أَنْفِهِ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ أَدْخُلَ أَصَابِعَهُ الْعَشَرَةَ فِي أَنْفِهِ، وَأَخْرَجَهَا مُتَلَطِّخَةً بِالدَّمِ. يَعْنِي: وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا سَالَ الدَّمُ فَفِيهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ، لَمْ يَجِبْ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ.» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute