للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ» وَحَدِيثُهُمْ لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَدْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إذَا كَانَ دُونَ مِلْءِ الْفَمِ، لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ مِنْهُ.

(٢٦١) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ الْكَثِيرَ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَا حَدَّ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ يَكُونَ فَاحِشًا وَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا قَدْرُ الْفَاحِشِ؟ قَالَ: مَا فَحُشَ فِي قَلْبِك وَقِيلَ لَهُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ الْفَاحِشُ؟ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا فَحُشَ فِي قَلْبِك وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ: كَمْ الْكَثِيرُ؟ فَقَالَ: شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ: قَدْرُ الْكَفِّ فَاحِشٌ. وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ: الَّذِي يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِقْدَارَ مَا يَرْفَعُهُ الْإِنْسَانُ بِأَصَابِعِهِ الْخَمْسِ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ.

فَقِيلَ لَهُ: إنْ كَانَ مِقْدَارَ عَشْرَةِ أَصَابِعَ؟ فَرَآهُ كَثِيرًا. قَالَ الْخَلَّالُ: وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفَاحِشِ، أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَفْحُشُ فِي نُفُوسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَا الْمُتَبَذِّلِينَ، وَلَا الْمُوَسْوِسِينَ، كَمَا رَجَعْنَا فِي يَسِيرِ اللُّقَطَةِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ إلَى مَا لَا تَتْبَعُهُ نُفُوسُ أَوْسَاطِ النَّاسِ. وَنَصُّ أَحْمَدَ فِي هَذَا كَمَا حَكَيْنَاهُ، وَذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (٢٦٢) فَصْلٌ: وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَأَسْهَلُ وَأَخَفُّ مِنْهُ حُكْمًا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا الْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ كَالدَّمِ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ فِي الصَّدِيدِ: لَا شَيْءَ، إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قُرْحَةٍ سَالَ مِنْهَا كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ: لَا وُضُوءَ فِيهِ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ: كُلُّ مَا سِوَى الدَّمِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَكَمُ وَاللَّيْثُ: الْقَيْحُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ. فَلِذَلِكَ خَفَّ حُكْمُهُ عِنْدَهُ، وَاخْتِيَارُهُ مَعَ ذَلِكَ إلْحَاقُهُ بِالدَّمِ وَإِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِهِ فِيهِ، وَلَكِنْ الَّذِي يَفْحُشُ مِنْهُ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي يَفْحُشُ مِنْ الدَّمِ.

(٢٦٣) فَصْلٌ: وَالْقَلْسُ كَالدَّمِ، يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْهُ مَا فَحُشَ. قَالَ الْخَلَّالُ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ، أَنَّهُ إذَا كَانَ فَاحِشًا أَعَادَ الْوُضُوءَ مِنْهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ فِيهِ الْوُضُوءُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ.

وَقِيلَ عَنْهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْفَمِ لَا يَتَوَضَّأُ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الدُّودِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَسَدِ، إذَا كَانَ كَثِيرًا نَقَضَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، لَمْ يَنْقُضْ، وَالْكَثِيرُ مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>