وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ، أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: خَبَرُ الْأَقْرَعِ لَا يَصِحُّ. وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا خَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ. قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى التَّضْعِيفِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ خَفِيٍّ عَلَى مَنْ ضَعَّفَهُ
، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: إذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ فَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ. فَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: أَنْفِيهِ؛ لِحَالِ سِمَاكٍ، لَيْسَ أَحَدٌ يَرْوِيهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ: هَذَا فِيهِ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ، بَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَرْفَعُهُ.
وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ بِهِ، فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ.
(٣٠٢) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ الْخَلْوَةِ بِهِ، فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ هِيَ أَنْ لَا يَحْضُرَهَا مَنْ لَا تَحْصُلُ الْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ بِحُضُورِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا عَاقِلًا؛ لِأَنَّهَا إحْدَى الْخَلْوَتَيْنِ، فَنَافَاهَا حُضُورُ أَحَدِ هَؤُلَاءِ كَالْأُخْرَى. وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ أَنْ لَا يُشَاهِدَهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، فَإِنْ شَاهَدَهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ رَجُلٌ كَافِرٌ، لَمْ تَخْرُجْ بِحُضُورِهِمْ عَنْ الْخَلْوَةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ اسْتِعْمَالُهَا لِلْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةِ الرَّجُلِ فِي اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَغْتَسِلَ هُوَ بِهِ.
وَإِذَا شَرَعَا فِيهِ جَمِيعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ: اغْتَسِلَا جَمِيعًا؛ هُوَ هَكَذَا، وَأَنْتِ هَكَذَا - قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ فِي إشَارَتِهِ: كَانَ الْإِنَاءُ بَيْنَهُمَا - وَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَقَدْ «كَانَتْ عَائِشَةُ تَغْتَسِلُ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، يَغْتَرِفَانِ مِنْهُ جَمِيعًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَيُخَصُّ بِهَذَا عُمُومُ النَّهْيِ وَبَقِينَا فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ.
(٣٠٣) فَصْلٌ: فَإِنْ خَلَتْ بِهِ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهَا، أَوْ فِي تَجْدِيدِ طَهَارَةٍ، أَوْ اسْتِنْجَاءٍ، أَوْ غَسْلِ نَجَاسَةٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ. وَالثَّانِي لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ الْكَامِلَةِ.
وَإِنْ خَلَتْ بِهِ ذِمِّيَّةٌ فِي اغْتِسَالِهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا. هُوَ كَخَلْوَةِ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمُسْلِمَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُسْلِهَا حُكْمٌ، شَرْعِيٌّ، وَهُوَ حِلُّ وَطْئِهَا إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَأَمْرُهَا بِهِ إذَا كَانَ مِنْ جَنَابَةٍ؛ وَالثَّانِي لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا لَا تَصِحُّ، فَهِيَ كَتَبَرُّدِهَا. وَإِنْ خَلَتْ الْمَرْأَةُ بِالْمَاءِ فِي تَبَرُّدِهَا، أَوْ تَنْظِيفِهَا، أَوْ غَسْلِ ثَوْبِهَا مِنْ الْوَسَخِ، لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute