نَفْسِهِ، لَمْ يَطِبْ الْأَخْذُ. وَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ، جَازَ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصُلْحٍ، وَلَا مِنْ بَابِ الصُّلْحِ بِسَبِيلٍ، وَلَمْ يُسَمِّ الْخِرَقِيِّ الصُّلْحَ إلَّا فِي الْإِنْكَارِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، فَأَمَّا فِي الِاعْتِرَافِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِشَيْءِ وَقَضَاهُ مِنْ جِنْسِهِ، فَهُوَ وَفَاءٌ، وَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَاسْتَوْفَى الْبَاقِيَ، فَهُوَ إبْرَاءٌ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ بَعْضَ الْعَيْنِ وَأَخَذَ بَاقِيَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ، فَهِيَ هِبَةٌ، فَلَا يُسَمِّي ذَلِكَ صُلْحًا.
وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَسَمَّاهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ صُلْحًا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ وَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ، أَمَّا الْمَعْنَى فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِعْلُ مَا عَدَا وَفَاءَ الْحَقِّ، وَإِسْقَاطُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ مُعَاوَضَةٌ، وَإِبْرَاءٌ، وَهِبَةٌ.
فَأَمَّا الْمُعَاوَضَةُ، فَهُوَ أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ، أَوْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَتَّفِقَانِ عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَجُوزُ تَعْوِيضُهُ بِهِ، وَهَذَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا، أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، فَيُصَالِحَهُ الْآخَرُ، نَحْوُ أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَيُصَالِحَهُ مِنْهَا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ، فَيُصَالِحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَرْفٌ، يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُ الصَّرْفِ، مِنْ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ وَنَحْوِهِ. الثَّانِي، أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِعُرُوضٍ، فَيُصَالِحَهُ عَلَى أَثْمَانٍ، أَوْ بِأَثْمَانٍ فَيُصَالِحَهُ عَلَى عُرُوضٍ، فَهَذَا بَيْعٌ يَثْبُتْ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ.
وَإِنْ اعْتَرَفَ لَهُ بِدَيْنٍ، فَصَالَحَهُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ. الثَّالِثُ. أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ، خِدْمَةِ عَبْدٍ، وَنَحْوِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ إجَارَةً لَهَا حُكْمُ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَإِذَا أَتْلَفَ الدَّارُ أَوْ الْعَبْدُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَرَجَعَ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ.
وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَرَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ. وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ جَارِيَتَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، صَحَّ. وَكَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ صَدَاقَهَا، فَإِنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأَمْرٍ يُسْقِطُ الصَّدَاقَ، رَجَعَ الزَّوْجُ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، رَجَعَ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَرِفُ امْرَأَةً، فَصَالَحَتْ الْمُدَّعِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا، جَازَ وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَرَفُ بِهِ عَيْبًا فِي مَبِيعِهَا، فَصَالَحَتْهُ عَلَى نِكَاحِهَا صَحَّ. فَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ، رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَدَاقُهَا، فَرَجَعَتْ بِهِ، لَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ، لَكِنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِمَا يُسْقِطُ صَدَاقَهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِأَرْشِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي، الْإِبْرَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَيَقُولَ: قَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ نِصْفِهِ أَوْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ، فَأَعْطِنِي مَا بَقِيَ. فَيَصِحُّ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute