وَطَاوُسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.
وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَابْنُ اللَّبَّانِ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُوَرَّثُونَهُمْ مَعَهُ، وَلَا يَحْجُبُونَهُمْ بِهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْأَخَ ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ الْجَدُّ، كَالِابْنِ.
وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ، فَلَا يُحْجَبُونَ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَمَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يُحْجَبُونَ؛ وَلِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَتَسَاوُونَ فِيهِ، فَإِنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ، الْجَدُّ أَبُوهُ، وَالْأَخُ ابْنُهُ، وَقَرَابَةُ الْبُنُوَّةِ لَا تَنْقُصُ عَنْ قَرَابَةِ الْأُبُوَّةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ أَقْوَى؛ فَإِنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْأَبِ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَجَرَةٍ أَنْبَتَتْ غُصْنًا، فَانْفَرَقَ مِنْهُ غُصْنَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ، وَمَثَّلَهُ زَيْدٌ بِوَادٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ، انْفَرَقَ مِنْهُ جَدْوَلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْوَادِي.
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، وَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» . وَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ، بِدَلِيلِ الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ؛ أَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَهُ قَرَابَةُ إيلَادٍ وَبَعْضِيَّةٍ كَالْأَبِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّ الْفُرُوضَ إذَا ازْدَحَمَتْ سَقَطَ الْأَخُ دُونَهُ، وَلَا يُسْقِطُهُ أَحَدٌ إلَّا الْأَبُ، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ يَسْقُطُونَ بِثَلَاثَةٍ، وَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، كَالْأَبِ، وَهُمْ يَنْفَرِدُونَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُسْقِطُ وَلَدَ الْأُمِّ، وَوَلَدُ الْأَبِ يَسْقُطُونَ بِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ، وَكَانُوا عَصَبَةً.
وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمُشْرَكَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ ابْنِ ابْنِهِ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَيُمْنَعُ مِنْ دَفْعِ زَكَاتِهِ إلَيْهِ، كَالْأَبِ سَوَاءً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى قُوَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي تَقْدِيمِ الْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّ فُرُوضَهُنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَجِبُ أَنْ تَلْحَقَ بِهِنَّ فُرُوضُهُنَّ، وَيَكُونُ لِلْجَدِّ مَا بَقِيَ. فَالْجَوَابُ، أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدِينَ، وَفِي الذُّكُورِ مَعَ الْإِنَاثِ.
أَوْ نَقُولُ: هُوَ حُجَّةٌ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا فَرْضَ لِوَلَدِ الْأَبِ مَعَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ كَلَالَةٌ، وَالْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَارِثِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مَعَهُ إذًا فَرْضٌ. حُجَّةٌ أُخْرَى، قَالُوا: الْجَدُّ أَبٌ، فَيَحْجُبُ وَلَدَ الْأَبِ، كَالْأَبِ الْحَقِيقِيِّ. وَدَلِيلُ كَوْنِهِ أَبًا قَوْله تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] وَقَوْلُ يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: ٣٨] . وَقَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute