{كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: ٦] وَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» .
وَقَالَ: «سَامُ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامُ أَبُو الْحَبَشِ» . وَقَالَ: «نَحْنُ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقَفُوا أُمَّنَا، وَلَا نَنْفِي مِنْ أَبِينَا» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إنَّا بَنِي نَهْشَلٍ لَا نَدَّعِي لِأَبٍ عَنْهُ ... وَلَا هُوَ بِالْأَبْنَاءِ يَشْرِينَا
فَوَجَبَ أَنْ يَحْجُبَ الْإِخْوَةَ، كَالْأَبِ الْحَقِيقِيِّ، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ يَقُومُ مَقَامَ أَبِيهِ فِي الْحَجْبِ، وَكَذَلِكَ أَبُو الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَ ابْنِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا. وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا إيلَادًا وَبَعْضِيَّةً وَجُزْئِيَّةً، وَهُوَ يُسَاوِي الْأَبَ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ، فَيُسَاوِيهِ فِي هَذَا الْحَجْبِ.
يُحَقِّقُهُ أَنَّ أَبَا الْأَبِ وَإِنْ عَلَا يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قَرَابَةُ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَاحِدَةً، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْجَدِّ مُسَاوِيًا لِبَنِي الْأَخِ، لِتَسَاوِي دَرَجَةِ مَنْ أَدْلَيَا بِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِوُضُوحِهِ. (٤٨٦٧) فَصْلٌ: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِهِمْ مَعَهُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ، فَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفْرِضُ لِلْأَخَوَاتِ فُرُوضَهُنَّ، وَالْبَاقِيَ لِلْجَدِّ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَهُ ذَلِكَ مِنْ السُّدُسِ، فَيَفْرِضَهُ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ، وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ، فَرَضَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ، وَقَاسَمَ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ فِيمَا بَقِيَ، إلَّا أَنْ تَنْقُصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ السُّدُسِ، فَنَفْرِضَهُ لَهُ.
فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ كُلُّهُمْ عَصَبَةً، قَاسَمَهُمْ الْجَدُّ إلَى السُّدُسِ. فَإِنْ اجْتَمَعَ وَلَدُ الْأَبِ وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْجَدِّ، سَقَطَ وَلَدُ الْأَبِ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمُقَاسَمَةِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ. وَإِنْ انْفَرَدَ وَلَدُ الْأَبِ، قَامُوا مَقَامَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْجَدِّ. وَصَنَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْأَخَوَاتِ كَصُنْعِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَاسَمَ بِهِ الْإِخْوَةَ إلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَصْحَابُ فَرَائِضَ، أَعْطَى أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ، ثُمَّ صَنَعَ صَنِيعَ زَيْدٍ فِي إعْطَاءِ الْجَدِّ الْأَحَظَّ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي أَوْ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَعَلِيٌّ يُقَاسِمُ بِهِ بَعْدَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ بِنْتًا أَوْ بَنَاتٍ فَلَا يَزِيدُ الْجَدُّ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُقَاسِمُ بِهِ.
وَقَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ الْمِقْسَمِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَسْرُوقٌ، وَعَلْقَمَةُ، وَشُرَيْحٌ. وَأَمَّا مَذْهَبُ زَيْدٍ فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَسَنَشْرَحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute