مِيرَاثِهِنَّ بِالطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ تَنْقِيصِهِنَّ مِنْهُ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ بَعِيدٌ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَرُدُّهُ نَصَّ الْكِتَابِ عَلَى تَوْرِيثِ الزَّوْجَاتِ، فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ النَّصِّ فِي مَعْنَاهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ نِكَاحَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِي مِيرَاثِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا فِي مَرَضِهِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَنَكَحَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَرِثُهُ الْمَنْكُوحَاتُ دُونَ الْمُطَلَّقَاتِ
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْمُطَلَّقَاتِ. وَعَلَى الثَّانِي هُوَ بَيْنَ الثَّمَانِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمِيرَاثُ لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَنْكُوحَاتِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَهُ. وَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، فَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ، فَالْمِيرَاثُ لَهُنَّ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُطَلَّقَاتِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَاتُ لَمْ يَرِثْنَ شَيْئًا إلَّا فِي قَوْلِهِ وَقَوْلِ مَنْ وَافَقَهُ. وَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهِنَّ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْنَنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ
فَكَذَّبْنَهُ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِنَّ فِي حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَاللُّؤْلُؤِيِّ، إذَا كَانَ بَعْد أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزْوِيجُ أَيْضًا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقَّ لَهُنَّ فِيهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا إنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ مَاتَ، وَرِثَهُ الْمُطَلَّقَاتُ دُونَ الْمَنْكُوحَاتِ، إلَّا أَنْ يَمُتْنَ قَبْلَهُ، فَيَكُونَ الْمِيرَاثُ لِلْمَنْكُوحَاتِ
وَإِنْ أَقْرَرْنَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ، وَقُلْنَا: الْمِيرَاثُ لَهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. فَالْمِيرَاثُ لِلْمَنْكُوحَاتِ أَيْضًا. وَإِنْ مَاتَ مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ، فَالْمِيرَاثُ لِلْبَاقِيَةِ. وَإِنْ مَاتَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، وَمِنْ الْمَنْكُوحَاتِ وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ، أَوْ مَاتَ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ اثْنَتَانِ، وَمِنْ الْمَنْكُوحَاتِ وَاحِدَةٌ، فَالْمِيرَاثُ لِبَاقِي الْمُطَلَّقَاتِ. وَإِنْ مَاتَ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَاحِدَةٌ وَمِنْ الْمَنْكُوحَاتِ ثَلَاثٌ، أَوْ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ اثْنَتَانِ، وَمِنْ الْمَنْكُوحَاتِ اثْنَتَانِ، أَوْ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثٌ وَمِنْ الْمَنْكُوحَاتِ وَاحِدَةٌ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْبَوَاقِي مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمَنْكُوحَاتِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْنَفَ الْعَقْدَ عَلَى الْبَاقِيَاتِ مِنْ الْجَمِيعِ، جَازَ فَكَانَ صَحِيحًا
وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمَنْكُوحَاتِ فِي أَرْبَعَةِ عُقُودٍ، فَمَاتَ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَاحِدَةٌ وَرِثَتْ مَكَانَهَا الْأُولَى مِنْ الْمَنْكُوحَاتِ. وَإِنْ مَاتَ اثْنَتَانِ، وَرِثَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. وَإِنْ مَاتَ ثَلَاثٌ، وَرِثَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ الْمَنْكُوحَاتِ، مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ. وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاللُّؤْلُؤِيِّ. وَأَمَّا زُفَرُ فَلَا يَرَى صِحَّةَ نِكَاحِ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْمُطَلَّقَاتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute