للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَفْسِك. وَفِي رِوَايَةٍ: إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي. فَلَمْ تَكُنْ لِتَفْتَاتَ بِالْإِجَابَةِ قَبْلَ أَنْ تُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَالثَّانِي، أَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْمُسْتَشِيرَةِ لَهُ فِيهِمَا، أَوْ فِي الْعُدُولِ عَنْهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ فِي الِاسْتِشَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا مَيْلٍ إلَى أَحَدِهِمَا، عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ وَرَأْيِهِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهَا بِتَرْكِهِمَا؛ لِمَا ذَكَرِ مِنْ عَيْبِهِمَا، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى رَدِّهَا لَهُمَا، وَتَصْرِيحِهَا بِمَنْعِهِمَا. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَبَقَهُمَا بِخِطْبَتِهَا تَعْرِيضًا، بِقَوْلِهِ لَهَا مَا ذَكَرْنَا، فَكَانَتْ خِطْبَتُهُ بَعْدَهُمَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْخِطْبَةِ السَّابِقَةِ لَهُمَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. (٥٤١٤) فَصْلٌ: وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ عَلَى الْوَلِيِّ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَعَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَلَوْ أَجَابَ هُوَ، وَرَغِبَتْ عَنْ النِّكَاحِ، كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا. وَإِنْ أَجَابَ وَلِيُّهَا، فَرَضِيَتْ، فَهُوَ كَإِجَابَتِهَا، وَإِنْ سَخِطَتْ فَلَا حُكْمَ لِإِجَابَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا. وَلَوْ أَجَابَ الْوَلِيُّ فِي حَقِّ الْمُجْبَرَةِ، فَكَرِهَتْ الْمُجَابَ، وَاخْتَارَتْ غَيْرَهُ، سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا، لِكَوْنِ اخْتِيَارِهَا مُقَدَّمًا عَلَى اخْتِيَارِهِ. وَإِنْ كَرِهَتْهُ وَلَمْ تُجِزْ سِوَاهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ الْإِجَابَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِاسْتِئْمَارِهَا، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِهَهَا عَلَى مَنْ لَا تَرْضَاهُ.

وَإِنْ أَجَابَتْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ الْإِجَابَةِ وَسَخِطَتْهُ، زَالَ حُكْمُ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ. وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ عَنْ الْإِجَابَةِ، زَالَ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ فِي أَمْرِ مُوَلِّيَتِهِ، مَا لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ. وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ هِيَ وَلَا وَلِيُّهَا، وَلَكِنْ تَرَكَ الْخَاطِبُ الْخِطْبَةَ، أَوْ أَذِنَ فِيهَا، جَازَتْ خِطْبَتُهَا؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>