وَكَذَلِكَ إنْ مَسَّهُ بِالْكَبِيرِ، وَلَمْ يَضْرِبْهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَلَيْسَ هَذَا بِقَتْلٍ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يَمْنَعَ خُرُوجَ نَفَسِهِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ خِرَاطَةً، ثُمَّ يُعَلِّقَهُ فِي خَشَبَةٍ أَوْ شَيْءٍ، بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ عَنْ الْأَرْضِ، فَيَخْتَنِقُ وَيَمُوتُ، فَهَذَا عَمْدٌ سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ، أَوْ بَقِيَ زَمَنًا، لِأَنَّ هَذَا أَوْحَى أَنْوَاعِ الْحَنَقِ، وَهُوَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ مِنْ الْوُلَاةِ فِي اللُّصُوصِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنْ الْمُفْسِدِينَ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخْنُقَهُ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ، أَوْ مِنْدِيلٍ، أَوْ حَبْلٍ، أَوْ يُغَمِّهِ بِوِسَادَةٍ، أَوْ شَيْءٍ يَضَعُهُ عَلَى فِيهِ وَأَنْفِهِ، أَوْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمَا فَيَمُوتَ، فَهَذَا إنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ مُدَّةً يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَمَاتَ، فَهُوَ عَمْدٌ فِيهِ الْقِصَاصُ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْد الْعَزِيزِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَمَاتَ، فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَإِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَسِيرًا فِي الْعَادَةِ، بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ مِنْهُ، فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لَمْسِهِ.
وَإِنْ خَنَقَهُ، وَتَرَكَهُ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ، فَفِيهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ جِنَايَتِهِ، فَهُوَ كَالْمَيِّتِ مِنْ سِرَايَةِ الْجُرْحِ، وَإِنْ تَنَفَّسَ وَصَحَّ، ثُمَّ مَاتَ، فَلَا قَوَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ ثُمَّ مَاتَ
النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يُلْقِيه فِي مَهْلَكَةٍ، وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُلْقِيَهُ مِنْ شَاهِقٍ كَرَأْسِ جَبَلٍ، أَوْ حَائِطٍ عَالٍ، يَهْلِكُ بِهِ غَالِبًا، فَيَمُوتَ، فَهُوَ عَمْدٌ. الثَّانِي: أَنْ يُلْقِيَهُ فِي نَارٍ، أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، إمَّا لِكَثْرَةِ الْمَاءِ وَالنَّارِ، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ التَّخَلُّصِ، لَمَرَضٍ، أَوْ ضَعْفٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كَوْنِهِ مَرْبُوطًا، أَوْ مَنَعَهُ الْخُرُوجَ، أَوْ كَوْنِهِ فِي حُفْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ مِنْهَا، وَنَحْوُ هَذَا، أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ ذَاتِ نَفَسٍ، فَمَاتَ بِهِ، عَالِمًا بِذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا. وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، فَلَبِثَ فِيهِ اخْتِيَارًا حَتَّى مَاتَ، فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مَوْتُهُ بِلُبْثِهِ فِيهِ، وَهُوَ فِعْلُ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ غَيْرُهُ.
وَإِنْ تَرَكَهُ فِي نَارٍ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا لِقِلَّتِهَا، أَوْ كَوْنِهِ فِي طَرَفٍ مِنْهَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِأَدْنَى حَرَكَةٍ؛ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ، فَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ لِنَفْسِهِ بِإِقَامَتِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ، لَكِنْ يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ النَّارُ مِنْهُ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بِالْإِلْقَاءِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَتَرْكُ التَّخَلُّصِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ، كَمَا لَوْ فَصَدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute