هَذَا لَمْ يَجِدْهَا، لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الدِّيَةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَأَلْفَ دِينَارٍ.
(٦٧٧٧) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْإِبِلِ، بَلْ مَتَى وُجِدَتْ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، وَجَبَ أَخْذُهَا، قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، أَنْ تُؤْخَذَ مِائَةٌ، قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِنْهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، أَدَّى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ إبْدَالُ مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَيَجِبُ أَنْ تَتَسَاوَى فِي الْقِيمَةِ، كَالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ، وَالْمُتْلَفِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» . وَهَذَا مُطْلَقٌ فَتَقْيِيدُهُ يُخَالِفُ إطْلَاقَهُ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِدَلِيلِ؛ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْخَذُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيمَتُهَا ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، وَقَوْلُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ. فَقَوْمهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي حَالِ رُخْصِهَا أَقَلُّ قِيمَة مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَتْ تُؤْخَذُ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ وِلَايَةِ عُمَرَ، مَعَ رُخْصِهَا وَقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَنَقْصِهَا عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِيجَابُ ذَلِكَ فِيهَا خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ دِيَةِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ، فَغَلَّظَ دِيَةَ الْعَمْدِ، وَخَفَّفَ دِيَةَ الْخَطَأِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَاعْتِبَارُهَا بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا، وَجَمْعٌ بَيْنَ مَا فَرَّقَهُ الشَّارِعُ، وَإِزَالَةٌ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ جَمِيعًا، بَلْ هُوَ تَغْلِيظٌ لِدِيَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ابْنِ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ ثَنِيَّةٍ أَوْ جَذَعَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute