خَفِيَتْ الْحِكْمَةُ فِيهَا، وَمَتَى أَمْكَنَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ تَعَيَّنَ تَعْلِيلُهُ، وَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَهْرِ التَّعَبُّدِ وَمَرَارَةِ التَّحَكُّمِ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ إلَى الْحُشِّ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، بِالتَّنْبِيهِ مِنْ وُجُودِ مَعْنَى الْمَنْطُوقِ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَنْبِيهًا، فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ مَظِنَّةٌ مِنْهَا، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَنْعِ فِي مَوْضِعِ الْمَسْلَخِ مِنْ الْحَمَّامِ، وَلَا فِي وَسَطِهِ، لِعَدَمِ الْمَظِنَّةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (٩٦٠) فَصْلٌ: وَزَادَ أَصْحَابُنَا الْمَجْزَرَةَ، وَالْمَزْبَلَةَ، وَمَحَجَّةَ الطَّرِيقِ، وَظَهْرَ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي خَبَرِ عُمَرَ وَابْنِهِ. وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ.
وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْخِرَقِيِّ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ، وَمَعَاطِنَ الْإِبِلِ، بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ خَاصَّةٍ، فَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ وَابْنِهِ يَرْوِيهِمَا الْعُمَرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ؛ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِمَا مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِمَا، فَلَا يُتْرَكُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِحَدِيثِهِمَا. وَهَذَا أَصَحُّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، فِيمَا عَلِمْتُ، عَمِلُوا بِخَبَرِ عُمَرَ وَابْنِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ.
وَمَعْنَى مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ: الْجَادَّةُ الْمَسْلُوكَةُ الَّتِي تَسْلُكُهَا السَّابِلَةُ. وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ: يَعْنِي الَّتِي تَقْرَعُهَا الْأَقْدَامُ، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مِثْلُ الْأَسْوَاقِ وَالْمَشَارِعِ وَالْجَادَّةِ لِلسَّفَرِ. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيمَا عَلَا مِنْهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَمْ يَكْثُرْ قَرْعُ الْأَقْدَامِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَقِلُّ سَالِكُوهَا، كَطُرُقِ الْأَبْيَاتِ الْيَسِيرَةِ.
وَالْمَجْزَرَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَذْبَحُ الْقَصَّابُونَ فِيهِ الْبَهَائِمَ، وَشِبْهَهُمْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مُعَدًّا. وَالْمَزْبَلَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الزِّبْلُ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهَا طَاهِرًا وَنَجِسًا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الطَّرِيقِ فِيهَا سَالِكًا أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ وَلَا فِي الْمَعَاطِنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا إبِلٌ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَبِيتُ فِيهَا الْإِبِلُ فِي مَسِيرِهَا، أَوْ تُنَاخُ فِيهَا لِعَلْفِهَا أَوْ وِرْدِهَا، فَلَا يُمْنَعُ الصَّلَاةُ فِيهَا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ مَوْضِعٍ فِيهِ أَبْعَارُ الْإِبِلِ يُصَلَّى فِيهِ؟ فَرَخَّصَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، الَّتِي تَأْوِي إلَيْهَا الْإِبِلُ. (٩٦١) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ فَعَلَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْحُشِّ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْقِبْلَةِ قَبْرٌ، وَلَا حُشٌّ وَلَا حَمَّامٌ، فَإِنْ كَانَ يُجْزِئُهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَوَجَّهُ فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يُعِيدُ؛ لِمَوْضِعِ النَّهْيِ، وَبِهِ أَقُولُ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute