للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى قَبِيصَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ» . وَلَنَا، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكُسُوفِ: ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الْأَوَّلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَتَرْكُ ذِكْرِهِ فِي حَدِيثٍ لَا يَمْنَعُ مَشْرُوعِيَّتَهُ إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْجَهْرُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَبِحَضْرَتِهِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَرَوَتْ عَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهَا نَافِلَةٌ شُرِعَتْ لَهَا الْجَمَاعَةُ، فَكَانَ مِنْ سُنَنِهَا الْجَهْرُ كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدِ وَالتَّرَاوِيحِ. فَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: حَزَرْت قِرَاءَتَهُ. فَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَمِعَتْ صَوْتَهُ وَلَمْ تَفْهَمْ لِلْبُعْدِ، أَوْ قَرَأَ مِنْ غَيْرِ أَوَّلِ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ. ثُمَّ حَدِيثُنَا صَحِيحٌ صَرِيحٌ، فَكَيْفَ يُعَارَضُ بِمِثْلِ هَذَا، وَحَدِيثُ سَمُرَةَ يَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لِبُعْدِهِ؛ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ: دَفَعْت إلَى الْمَسْجِدِ، وَهُوَ بَازِرٌ. يَعْنِي مُغْتَصًّا بِالزِّحَامِ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَمَنْ هَذَا حَالُهُ لَا يَصِلُ مَكَانًا يَسْمَعُ مِنْهُ.

ثُمَّ هَذَا نَفْيٌ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ مِنْ أَجْلِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ، وَقِيَاسُهُمْ مُنْتَقِضٌ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقِيَاسُ هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الظُّهْرِ؛ لِبُعْدِهَا مِنْهَا، وَشَبَهِهَا بِهَذِهِ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى صِفَةِ الصَّلَاةِ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ، وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ.» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِيهِ «أَنَّهُ قَامَ فِي الْأُولَى قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» . مُتَّفَقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>