علة التحريم في الحديثين المتقدمين:
قال ابن القيم -رحمه الله- في «زاد المعاد» (٤/ ٣٥١): فَقِيلَ: عِلّةُ التّحْرِيمِ تَضْيِيقُ النّقُودِ. وَقِيلَ: الْعِلّةُ الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ. وَقِيلَ: الْعِلّةُ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا رَأَوْهَا وَعَايَنُوهَا. وَهَذِهِ الْعِلَلُ فِيهَا مَا فِيهَا؛ فَإِنّ التّعْلِيلَ بِتَضْيِيقِ النّقُودِ يَمْنَعُ مِنْ التّحَلّي بِهَا وَجَعْلِهَا سَبَائِكَ، وَنَحْوَهَا مِمّا لَيْسَ بِآنِيَةٍ، وَلَا نَقْدٍ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ حَرَامٌ بِأَيّ شَيْءٍ كَانَ، وَكَسْرُ قُلُوبِ الْمَسَاكِينِ لَا ضَابِطَ لَهُ؛ فَإِنّ قُلُوبَهُمْ تَنْكَسِرُ بِالدّورِ الْوَاسِعَةِ، وَالْحَدَائِقِ الْمُعْجِبَةِ، وَالْمَرَاكِبِ الْفَارِهَةِ، وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ، وَالْأَطْعِمَةِ اللّذِيذَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ، وَكُلّ هَذِهِ عِلَلٌ مُنْتَقِضَةٌ؛ إذْ تُوجَدُ الْعِلّةُ وَيَتَخَلّفُ مَعْلُولُهَا.
ثُمَّ قَالَ: فَالصّوَابُ أَنّ الْعِلّةَ -وَاللهُ أَعْلَمُ- مَا يُكْسِبُ اسْتِعْمَالُهَا الْقَلْبَ مِنْ الْهَيْئَةِ، وَالْحَالَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعُبُودِيّةِ مُنَافَاةً ظَاهِرَةً؛ وَلِهَذَا عَلّلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنّهَا لِلْكُفّارِ فِي الدّنْيَا؛ إذْ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْعُبُودِيّةِ الّتِي يَنَالُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ نَعِيمَهَا، فَلَا يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَبِيدِ اللهِ فِي الدّنْيَا، وَإِنّمَا يَسْتَعْمِلُهَا مَنْ خَرَجَ عَنْ عُبُودِيّتِهِ، وَرَضِيَ بِالدّنْيَا، وَعَاجِلِهَا مِنْ الْآخِرَةِ. انتهى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute