للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسألة [١٨]: إذا كان له دين في ذمة إنسان، فوهبه له؟]

قال أبو محمد بن قدامة المقدسي -رحمه الله- في «المغني» (٨/ ٢٥٠): وَإِذَا كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ دَيْنٌ، فَوَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَبْرَأْهُ مِنْهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ؛ صَحَّ، وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ مِنْهُ، وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ، كَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَالشُّفْعَةِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَكَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ.

وَإِنْ قَالَ: تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك. صَحَّ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ فِي الْإِبْرَاءِ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، بِقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء:٩٢]، وَإِنْ قَالَ: عَفَوْت لَك عَنْهُ. صَحَّ؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى قَالَ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧]، يَعْنِي بِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْ الصَّدَاقِ، وَإِنْ قَالَ: أَسْقَطْتُهُ عَنْك. صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ. وَإِنْ قَالَ: مَلَّكْتُك إيَّاهُ. صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هِبَتِهِ إيَّاهُ. اهـ

قلتُ: وهذا واضحٌ إن شاء الله، وقد قال ابن حزم: لا يصح ذلك بلفظ (الهبة)؛ لأنَّ الهبة لا تكون إلا في موجود عنده، وهذا معدوم، ولا يجوز عنده بلفظ الإعطاء، وإنما يجوز بلفظ الإبراء، والإسقاط، والوضع، والتصدق.

وقوله غير صحيح؛ لأنَّ العبرة بالمعاني في هذا الباب لا بالألفاظ، والله أعلم.

وأما قول ابن قدامة -رحمه الله- بسقوط الدين وإن لم يقبل المَدين هذه الهبة، ففيه نظر. (١)


(١) وانظر: «المحلى» (١٦٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>