قال: وَأَمَّا الْعِظَامُ، وَنَحْوُهَا، فَإِذَا قِيلَ: إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحُسُّ وَتَأَلَّم، قِيلَ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ: أَنْتُمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِعُمُومِ اللَّفْظِ؛ فَإِنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالذُّبَابِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْخُنْفُسَاءِ، لَا يَنْجُسُ عِنْدَكُمْ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مَعَ أَنَّهَا مَيْتَةٌ مَوْتًا حَيَوَانِيًّا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ»، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزَعْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ، وَفِي الْآخَرُ شِفَاءٌ»، وَمَنْ نَجَّسَ هَذَا قَالَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَائِعَاتِ الْوَاقِعَةَ فِيهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ إنَّمَا هُوَ احْتِبَاسُ الدَّمِ فِيهَا، فَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَحْتَبِسْ فِيهِ الدَّمُ؛ فَلَا يَنْجُسُ، فَالْعَظْمُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ مِنْ هَذَا؛ فَإِنَّ الْعَظْمَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، وَلَا كَانَ مُتَحَرِّكًا بِالْإِرَادَةِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ. فَإِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ الْكَامِلُ الْحَسَّاسُ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ لَا يَنْجُسُ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، فَكَيْفَ يَنْجُسُ الْعَظْمُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَتَمَشَّطُونَ بِأَمْشَاطٍ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ. انتهى.
قال أبو عبد الله غفر الله لهُ: هذا القول هو الراجح، والله أعلم. (١)
[مسألة [٤]: بيض الميتة.]
• إن كان قِشرها قد صلب؛ فهي طاهرة عند الحنابلة، والحنفية، وجمهور الشافعية، واختاره ابن المنذر، فقال كما في «الأوسط» (٢/ ٢٩٠): لا فرق بين
(١) وانظر: «شرح المهذب» (١/ ٢٤٤)، و «المغني» (١/ ١٠١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute