[مسألة [١٦٧]: أقسام الهدي الواجب وحكم التصرف فيه قبل ذبحه.]
قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (٥/ ٤٣٤): الْوَاجِبُ مِنْ الْهَدْيِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: وَجَبَ بِالنَّذْرِ فِي ذِمَّتِهِ. وَالثَّانِي: وَجَبَ بِغَيْرِهِ، كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ، وَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ.
وَجَمِيعُ ذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسُوقَهُ يَنْوِي بِهِ الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِالْقَوْلِ، فَهَذَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِذَبْحِهِ، وَدَفْعِهِ إلَى أَهْلِهِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَأَكْلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ غَيْرِهِ بِهِ، وَلَهُ نَمَاؤُهُ، وَإِنْ عَطِبَ تَلِفَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَبْحُهُ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا، فَإِنَّ وُجُوبَهُ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِإِيصَالِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَمَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، يَقْصِدُ دَفْعَهُ إلَيْهِ فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُعَيِّنَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ، فَيَقُولَ: هَذَا الْوَاجِبُ عَلَيَّ. فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْرَأَ الذِّمَّةُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ هَدْيًا وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لَتَعَيَّنَ، فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا فَعَيَّنَهُ فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَطِبَ، أَوْ سُرِقَ، أَوْ ضَلَّ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، لَمْ يُجْزِهِ، وَعَادَ الْوُجُوبُ إلَى ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَرَى بِهِ مِنْهُ مَكِيلًا، فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَعَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّتِهِ، وَلِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ الْوَاجِبِ بِتَعْيِينِهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِمَحَلٍّ آخَرَ، فَصَارَ كَالدِّينِ يَضْمَنُهُ ضَامِنٌ، أَوْ يَرْهَنُ بِهِ رَهْنًا، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالضَّامِنِ وَالرَّهْنِ مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، فَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِيَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute