الْجُرْحِ؛ صَحَّ، وَلَهُ بَعْدَ السِّرَايَةِ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا أَرْشَ الْجُرْحِ. اهـ
[مسألة [١٥]: إذا عفا المجني عليه عن الجاني، في الجراح وما يسري منه فهل يشمل عفوه سقوط الدية عن النفس؟]
قال أبو محمد بن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (١١/ ٥٩٠): فَإِنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، صَحَّ عَفْوُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سِرَايَتِهَا قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَسَوَاءٌ عَفَا بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ الْوَصِيَّةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمَجْرُوحِ عَنْ دَمِهِ؛ مَالِكٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إذَا قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا. فَفِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَصِيَّةٌ، فَيُبْنَى عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَفِيهَا قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، فَتَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا دِيَةَ الْجُرْحِ. وَالثَّانِي، يَصِحُّ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهَا مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ الْبَاقِي.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي، لَيْسَ بِوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا يَصِحُّ، وَتَلْزَمُهُ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا دِيَةَ الْجُرْحِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ، فَسَقَطَ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَمَا تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ، وَلَا تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ، وَلِذَلِكَ صَحَّ الْعَفْوُ مِنْ الْمُفْلِسِ إلَى غَيْرِ مَالٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute