للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورجَح ابن قدامة -رحمه الله- هذا القول، فقال: وَهَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ الله تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّ نَفْعَهُ لَهُ، فَكَانَ عَلَيْهِ ضُرُّهُ، كَالْمَالِكِ لَهُمَا جَمِيعًا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ لَهُ ضَرَرٌ مُجَرَّدٌ، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ: أَوْصَيْت لَك بِنَفْعِ عَبْدِي، وَأَبْقَيْت عَلَى وَرَثَتِي ضُرَّهُ. وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِهِ لَإِنْسَانٍ، وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ، كَانَ مَعْنَاهُ: أَوْصَيْت لِهَذَا بِنَفْعِهِ، وَلِهَذَا بِضُرِّهِ. وَالشَّرْعُ يَنْفِي هَذَا بِقَوْلِهِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ؛ لِيَكُونَ ضُرُّهُ عَلَى مَنْ لَهُ نَفْعُهُ. وَفَارَقَ الْمُسْتَأْجَرَ؛ فَإِنَّ نَفْعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ عِوَضًا عَنْ مَنَافِعِهِ. وَقِيلَ: تَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ. وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى إيجَابِهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ، فَإِذَا صُرِفَ فِي نَفَقَتِهِ، فَقَدْ صُرِفَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا إلَى النَّفَقَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صُرِفَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ سِوَاهُ. اهـ

قلتُ: وما صححه ابن قدامة هو الصواب، وهو المتعارف عليه عند الناس. (١)

[مسألة [٣١]: إذا أراد الورثة إعتاق العبد أو بيعه؟]

قال أبو محمد المقدسي -رحمه الله- في «المغني» (٨/ ٤٦١ - ٤٦٢): وَإِذَا أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ؛ عَتَقَ، وَمَنْفَعَتُهُ بَاقِيَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ؛ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلرَّقَبَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنْ وَهَبَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ مَنَافِعَهُ لِلْعَبْدِ، وَأَسْقَطَهَا عَنْهُ؛ فَلِلْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا


(١) انظر: «المغني» (٨/ ٤٦٠ - ٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>