للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صدقته إلى أحد، فمعنى الغني في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه، وستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله؛ فلا يجوز الإيثار به، بل يحرم؛ وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه، أو الإضرار بها، أو كشف عورته، فمراعاة حقِّه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صحَّ الإيثار، أو كانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل من مضض الفقر، وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء لله. (١)

[مسألة [٣]: التصدق بالمال كاملا.]

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في «الفتح» (١٤٢٦): قَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيْره: قَالَ الْجمْهُور: مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلّه فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ، حَيْثُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْإِضَاقَةِ، وَلَا عِيَالَ لَهُ، أَوْ لَهُ عِيَال يَصْبِرُونَ أَيْضًا؛ فَهُوَ جَائِز؛ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُرِهَ. وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ مَرْدُود ... .

وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ الْمُدَبَّرِ (٢) الْآتِي ذِكْرُهُ؛ فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بَاعَهُ وَأَرْسَلَ ثَمَنه إِلَى الَّذِي دَبَّرَهُ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ مُحْتَاجًا.

وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ مِنْ الثُّلْثِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الثُّلْثَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيّ، وَمَكْحُول. وَعَنْ مَكْحُولٍ أَيْضًا: يُرَدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ.

قَالَ الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَابُ عِنْدنَا الْأَوَّل مِنْ حَيْثُ الْجوَاز، وَالْمُخْتَار مِنْ حَيْثُ


(١) انظر: «الفتح» (١٤٢٧).
(٢) سيأتي حديث المدبر في الكتاب برقم (١٤٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>