للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَضَرَبَ الثَّانِي عُنُقَهُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً. وَقِيلَ: هُوَ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا جُرِحَ، دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ فَسَقَاهُ لَبَنًا، فَخَرَجَ يَصْلُدُ، فَعَلِمَ الطَّبِيبُ أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَقَالَ: اعْهَدْ إلَى النَّاسِ. فَعَهِدَ إلَيْهِمْ، وَأَوْصَى، وَجَعَلَ الْخِلَافَةَ إلَى أَهْلِ الشُّورَى، فَقَبِلَ الصَّحَابَةُ عَهْدَهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ وَصَايَاهُ وَعَهْدِهِ. فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الْحَيَاةِ بَاقِيًا؛ كَانَ الثَّانِي مُفَوِّتًا لَهَا، فَكَانَ هُوَ الْقَاتِلَ، كَمَا لَوْ قَتَلَ عَلِيلًا لَا يُرْجَى بُرْءُ عِلَّتِهِ. انتهى.

مسألة [٣٠]: إذا ألقى رجلٌ آخر من شاهق، فتلقاه آخر بسيف، فقتله؟

• قال ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (١١/ ٥٠٧): إذَا أُلْقِي رَجُلٌ مِنْ شَاهِقٍ، فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفِ فَقَتَلَهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاتَهُ قَبْلَ الْمَصِيرِ إلَى حَالٍ يَئِسُوا فِيهَا مِنْ حَيَاتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ إنْسَانٌ بِسَهْمٍ قَاتِلٍ، فَقَطَعَ آخَرُ عُنُقَهُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ، أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَأَطَارَ آخَرُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، إنْ رَمَاهُ مِنْ مَكَان يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ، وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الْوَاقِعُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا بِالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ عِنْدَ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ.

قال: وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ سَبَبٌ، وَالْقَتْلَ مُبَاشَرَةٌ، فَانْقَطَعَ حُكْمُ السَّبَبِ، كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ، وَالْجَارِحِ مَعَ الذَّابِحِ، وَكَالصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَمَا ذَكَرُوهُ بَاطِلٌ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>