يُسْتَتَابَ كَمَا يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْبِدَعِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى أَنْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِ؛ فَإِنَّهُ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ، وَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ، بَلْ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِهَذَا وَاجِبًا؛ لَبَطَلَتْ صَلَوَاتُ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَاطُ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ نِزَاعٌ، وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ خَفِيَّةٌ، وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُتَدَيِّنُ أَنْ يَحْتَاطَ مِنْ الْخِلَافِ وَهُوَ لَا يَجْزِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَ الْجَزْمُ بِأَحَدِهِمَا وَاجِبًا فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ لَا يُمْكِنُهُمْ الْجَزْمُ بِذَلِكَ، وَهَذَا الْقَائِلُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا تَقْلِيدُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَلَوْ طُولِبَ بِأَدِلَّةِ شَرْعِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ إمَامِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَعَجَزَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ مِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ
الِاجْتِهَادِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَيَقَّنَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ عِنْدَهُ، مِثْلَ: أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ النِّسَاءَ لِشَهْوَةِ، أَوْ يَحْتَجِمَ، أَوْ يَفْتَصِدَ، أَوْ يَتَقَيَّأَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ.
كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد، بَلْ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَد عَلَى هَذَا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ»، فَقَدْ بَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَأْمُومِ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ سَائِغٌ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ؛ فَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ أَوْ مُقَلِّدٌ مُجْتَهِدٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute